ثقافة وفن

عاصم بهجة البيطار.. مسيرة حياة وعطاء

| سارة سلامة

صدر عن مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق كتاب بعنوان «اللغوي المجمعي المعلم عاصم بهجة البيطار 1927- 2005م» مسيرة حياة وعطاء كاملة رصدها الدكتور أيمن عبد الرزاق الشوا، حيث لم يكد الأتراك يجلون عن سورية حتى قامت فيها حركة نشطة لاستبدال اللغة العربية بالتركية، وبناء الوطن الحر، وقد تم ذلك بسرعة وإتقان.
ورأى مجمع اللغة العربية بدمشق في هذه الحركة تجربة فريدة تستحق الدراسة والتحليل، ويستحق الذين شاركوا فيها أن يعرفوا ويشكروا وتنشر سيرهم وآثارهم، فأوكل في سنة 2007 إلى لجنة من أعضائه القيام بالتعريف بأعضاء «المجمع العلمي العربي»، الأوائل، والكتابة عمن لم يكتب عنه منهم وجمع ما أمكن من آثارهم ونشره اعترافاً بفضلهم وإحياء لذكراهم. وقد قامت اللجنة بواجبها على خير وجه وأرضاه، ووضعت برنامجاً لعملها، واستكتبت عدداً من المؤلفين الكبار، واختارت منهم من كانت تربطه بالمؤلف عنه رابطة صداقة أو زمالة أو نسب، وفي إثر ذلك بدأ المجمع إصدار سلسلة من الكتب من أعضائه المؤسسين ومن تلاهم، وصدر العدد الأول من هذه السلسلة في سنة 2011م، ومازال المجمع ماضياً في إخراج بقيتها.
وصدر عن المجمع كتاب عن المجمعي عاصم بهجة البيطار اللغوي المجمعي المعلم، من تأليف الأستاذ الدكتور أيمن عبد الرزاق الشوا.
ويتطلع المجمع إلى إصدار سلسلة كتب عن المجمعين الراحلين، كنوع من الشكر إلى لجنة أعضاء المجمع والمؤلفين.
وقد جاء هذا الكتاب لإحياء سيرة علم من أعلام هذا المجمع الخالد اللغوي المجمعي عاصم بهجة البيطار أستاذ العربية والمعلم البارع.

مسيرة حياة

ويبرز الكتاب أثراً مهماً من آفاق الثقافة التي امتلكها البيطار لا يعرفها الكثيرون، ممن سمعوا عنه ولعلهم قصروا جهوده على مسلك تدريس النحو والصرف فقط.
إن مجال التدريس الذي التزمه البيطار كان قد بدأ في الثانويات، ومن مناهج التعليم أن يدرس الطالب إضافة إلى النحو والصرف والعروض الأدب العربي، بأنواعه: الأدب الجاهلي، والإسلامي، وفنون الأدب كالمقالة والقصة والمسرحية، وللأدب الحديث مكانته أيضاً.
ولا يتصدى للقيام بهذه الأمور- من تدريس وتوجيه تربوي وتأليف- إلا أصحاب علم وخبرة، وقد أدرك جيل الطلاب سابقاً قيمة المدرسين والمؤلفين، ومدى خبراتهم، فوصفوا ثقافة البيطار ورفاقه، بكثرة المعرفة، وغزارة المادة العلمية، واتساع الثقافة، وعمق الفكر، وبعد النظر، وأصالة الفهم، والغوص على الدليل، ومعرفة سرّ المسألة، وإدراك مقاصد الأمور.

أهداف الكتاب

الكتاب موجه إلى طلبة الشهادة الثانوية وأهلية التعليم الابتدائي في حدود المنهج الذي رسمته وزارة التربية لهاتين الشهادتين في ذلك الوقت.
ومن أهداف الكتاب تزويد الطلبة بثروة لغوية غنية وذوق أدبي رفيع، يستطيعون معه أن يحسنوا تفهم الضروري من الشرح الأدبي للنصوص والاستعانة بفهم القواعد الأساسية من خلال العرض المبسط، وأن يغدوا قادرين على أن يتابعوا دراستهم، ويشقوا طريقهم بين الباحثين والمتتبعين للدراسات العربية، وكذا أوساط المثقفين يكون مفهوماً لهم في أسلوبه ومضمونه، ولا يجدون فيه غموضاً ولا ما يشبه الغموض.

منهج واضح

إن خير المصنفات ما سهلت منفعته، وتمكن منها كل أحد، ولعل هذا الوصف يجدر بكتاب النحو والصرف للبيطار، الكتاب الرائد في تعليم قواعد العربية، ومن أهم الكتب التي ذاع صيتها، وعمّ نفعها لدى الطلبة، وأصله محاضرات ألقاها البيطار على طلاب السنة الأولى من قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، وقامت الجامعة بعد ذلك بطبعه في عالم الكتاب الجامعي عام 1970. وأجمع المدرسون أن هذا الكتاب هو الأول الذي يحمله الطالب، والذي يعتمده في كل السنوات وبعد تخرجه، وكلما أعوزته حاجة النحو.
وتأكيداً على ما ذكره الإمام النووي من أن خير المصنفات ما سهلت منفعته وتمكن منه كل أحد، وجدنا عدداً من أجلاء الأساتذة يقررون هذا الكتاب لا غير، لا في جامعة دمشق فحسب، وإنما في عدد من البلدان.
حيث صرح البيطار بمنهجه الواضح في تأليف الكتاب استناداً إلى خبرته الواسعة بكتب النحو والصرف، وما يستصفى منها، وما يلائم جوّ العصر الذي نحن فيه، وما يناسب طلبة العلم، قائلاً: «حاولت أن أنهج فيه نهجاً وسطاً لا يلح في تتبع الآراء المختلفة، واستقصاء الوجوه المتباينة التي ذهب إليها علماء المدارس النحوية الشهيرة، ولا يقطع الصلة بتراثنا الخصب، ويتنكر للبناء الضخم المحكم الذي وضعه السلف لتفسير الظاهرات اللغوية، وكشف طريقتهم في نظم الجملة العربية، واستعمال الروابط الدقيقة للكلمات بعضها مع بعض».

المدرس المخلص

ضمّ الكتاب معظم المباحث النحوية التي نجدها في كتب الأقدمين، كالفصول الخمسين لابن معطي، والجمل للزجاجي، وشرح شذور الذهب لابن هشام، وهو يشبهه في أسلوبه ووضوحه وحسن إخراجه، ولا شك أن البيطار تمثل هذا الكتاب، وأعجب بعرضه وأسلوبه المشرق، المتمثل بالفكرة الجامعة والنظرة الشاملة لقواعد اللغة العربية.
الأستاذ البيطار كان مثال المدرس المخلص في علمه، إذ وراء هذا الكتاب أستاذ جليل كان يفني نفسه في الأجيال، ويذوب في الطلبة كي تصل العربية نقية صافية إلى أبنائها، ومن درس على يديه يعرف هذا حق المعرفة.
إن وراء هذا العمل ودرس ونظر في مظان النحو، وفي مقدمتها شروح الألفية، حيث أطاق البيطار هضم هذه الشروح، ثم أخرجها بحلة جديدة تناسب العصر، فكان هذا المصنف.

عن حياته

عاصم بن محمد بهجة بن بهاء الدين بن عبد الغني بن حسن البيطار، ولد في دمشق عام 1927م، من أصول جزائرية، كانت تقيم قديماً مدينة «بليدة»، التي تبعد عن مدينة الجزائر العاصمة أقل من خمسين ميلاً.
مدرسته الأولى في التربية والتعليم كانت من خلال والده الذي كان يحرص دائماً على أن يوجهه إلى هدى العلم من تعاليم الإسلام ولغة القرآن.
دراسته كانت في مدرسة خالد بن الوليد في حي الميدان بدمشق، وحصل على الشهادة الثانوية الأولى عام 1944م، من الفرع العملي في ثانوية جودت الهاشمي، وحصل على الشهادة الثانوية فرع الفلسفة عام 1947م.
ونال إجازة في الآداب قسم اللغة العربية، والإجازة في التربية والتعليم من دار المعلمين العليا عام 1952، وعين مدرساً للعربية في ثانوية الكواكبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن