من دفتر الوطن

العودة للوطن!

| عصام داري

أعود اليوم إلى «الوطن» مع أنني لم أغادر هذا الوطن.. وأعود إلى «دفتر الوطن» كي أكتب أوجاعنا جميعاً ولو كره المشركون!
ولا أقصد مشركي قريش وجوارها طبعاً، بل المشركون الفاسدون الذين يشاركون في أرزاق البلاد والعباد، ويسرقون لقمة الفقراء من أفواههم في وضح النهار.
من الطبيعي ألا أغادر إلا إذا دفعوني دفعاً إلى ذلك، ولن أغيّر لهجتي ولو حاولوا إسكاتي ولن أخفض صوتي، لأنني أملك حق الكلام والسلام، بنصوص قانونية مبرمة، ومن يرى في كلامي خطراً عليه أن يقاضيني أمام المحاكم!
أذكر في مسرحية صح النوم التي عرضت بدمشق أن الصبية قرنفل (فيروز) رفعت صوتها في حضور الوالي فنهرها زيدون المستشار(نصري شمس الدين) قائلاً:(لا بقا حدا يفتح تمو).. فقال الوالي (أنطوان كرباج) بسخرية:(بالعكس يا زيدون.. خليهم يفتحوا تمهم ويسكروه.. ما نحنا سامحين بحرية الرأي.. هنه إلهم حق يفتحوا تمهم ويسكروه.. والحكومة إلها حق تسد دينيها)!
والحكومة فعلاً تسمح لنا بالكلام والصراخ والشكوى والكتابة الجادة والساخرة، وبطبيعة الحال هذه الحكومة تسد آذانها ولا كأن شيئاً حصل، وكلامنا مثل«البساط!» على البلاط!
نحن باختصار لا نطلب من الحكومة أن ترد على استغاثات الشعب، فهو اعتاد فعل «التطنيش» كي يعيش، ومادام هو يعيش (ليش التدفيش؟) وعلى اعتبار أنه لم يسجل رسمياً حتى الآن حالة وفاة واحدة سببها الجوع، فلا خوف على هذا الشعب من الموت، فالسوريون يعرفون كيف يتدبرون أمورهم بدهاء وحنكة وخبرة السنين!
أقول: لا نطلب من الحكومة الرد على صراخ وأنين السوريين، فنحن أكثر الناس حرصاً على راحة بالها، كل ما نطلبه أن تصدر توجيهات للإخوة الفاسدين أن يخففوا من فسادهم قليلاً للإسهام في رفع مستوى المواطن من خمسين درجة تحت خط الفقر إلى خط الفقر نفسه، أو أقل من ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن خط الفقر يعني أن يكون دخل الأسرة أكثر من 50 «دولاراً في الشهر، وهذا الرقم يعادل راتب موظف شريف في ثلاثة أشهر!
منذ أربع سنوات خلت كتبت هنا في هذه الفسحة من «دفتر الوطن» زاوية بعنوان: (بيتنا الزجاجي) تحدثت فيها عن: (بيت زجاجي من الأمل والتفاؤل، نخشى أن يرمينا صنّاع الحروب والتوحش والقبح بحجارتهم فتتصدع بيوتنا وينكسر بعض من زجاجنا.. وأحلامنا).
في تلك الزاوية طرحت سؤالاً أعيد طرحه اليوم بعد مرور كل تلك السنوات: (هل أصبحت نظافة اليد وعدم الانخراط في مستنقع الفساد نوعاً من الغباء)!
اليوم أعود إلى «الوطن» كي أحاول مجدداً الإجابة عن هذا السؤال وعن عشرات الأسئلة التي لم تجاوب عليها حكومتنا الرشيدة، ومن الطبيعي أن الأسئلة التي طرحت قبل أربع سنوات غيرها اليوم، فقد تطورت حالتنا نحو الأسوأ، وأحدثت الطوابير والدور على الخبز والبنزين والغاز والمازوت والرز والسكر، وارتفعت الأسعار عشرات الأضعاف، وازداد الفقراء فقراً وتعاسة.
يا سامعين الصوت: الرجاء.. الرجاء.. أعيدونا إلى خط الفقر، أعيدوا 90 بالمئة من السوريين (تقرير الأمم المتحدة) إلى خط الفقر ولكم منا الشكر الجزيل ففي خط الفقر قد نعيش، وسامعي الصوت ليسوا بالضرورة سوريين بل هم كل من ساهم في إيصالنا إلى ما نحن عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن