ثقافة وفن

يوم سقط الكبار… ولا عذر للّصوص … هل حولتنا الحرب وأخلاقها إلى كائنات خائفة؟!

| ضحى مهنا

تساءلنا عن هذه الحوادث الغريبة التي يتنقّل أصحابها بخفّة تكاد تشبه المعارك الخاطفة، سوى أنها تخلو من الفروسية والشرف.
لأن هؤلاء المهاجمين لا يبذلون جهداً وإن صغيراً في مهاجمة الطرف الآخر الذي غالباً لا يتركون له شرف الدفاع وهو في الأصل ضعيف، لأنهم يأخذون ضحيتهم بغدر الجبناء من خلفها غالباً، يدفعها أحدهم بقسوة ووحشية فتسقط الضحية ويتولى آخر سرقتها وقد يتظاهر رفيق بالتعاطف و.. بعد أن يكونوا قد رصدوها بحواسهم التي يطورونها وإمكانات محدودة لا يحتاجون إليها حتى لسرقة كبار السن، فهؤلاء طرائد ضعيفة سهلٌ اصطيادها، بعد أن سُدَّت أمام هؤلاء اللصوص الطرق لسرقات تشبه سرقات اللصوص الكبار، ولا عذر أبداً لأي من اللصوص.

قال بعضنا إن هذه الحوادث لم تصل إلى اعتبارها ظاهرة عامة منتشرة، فتّمنينا أن تبقى حوادث فردية وإن كانت هذه مرفوضة كما غيرها، وقد ادعى أحدهم بأن اللصوصية منتشرة في العالم كلّـه وليس وحدنا من ابتلي بها وزادها جنون الحرب والأمراض والفقر، فعدنا نؤكد الرفض ثم الرفض. فاللصوصية تنزل مع الخيانة والجبن والأنانية وكلها تجعل الحياة مستحيلة، لكننا تراجعنا خطوة فتمنينا على لصوص كبار السن وتوسلنا إليهم أن يرأفوا بحالهم فإن أردتم اسرقوهم ولكن لا تؤذوهم ولا تدفعوهم ليسقطوا بأيديكم، على وجوههم فتتكسّر خواطرهم مثل عظامهم الهشّة، فقد لا يجدون من يسعفهم إلى المستشفى لأسباب لن ندخل فيها الآن، دعوهم يمشوا غير خائفين كالآخرين ويتنفسوا روائح الصباح والشمس فقد أعدتها الطبيعة للجميع، وقد يسمح بذلك الأطباء لوقت قصير خوفاً عليهم من كورونا.
ويحتاج كبار السن إلى الخروج لا من أجل الشمس والصباح فحسب، إنما ليقضوا حاجاتهم ويتابعوا شؤونهم بعد أن بقوا وحيدين لأسباب لن ندخل أيضاً فيها.

ولستُ أنا بالشابة حتى لا أعرف هذه الشجون حين أخبرتني جارتي المسنّة بأنها وغيرها من المسنين، قد باتوا هدفاً للاحتيال والسرقة بدءاً بتاجر الخضراوات وليس انتهاءً بالمحامي والطبيب والمهندس والدهان وعامل الصحية الخ… وقالت إنها صارت تكره أن تطلب معونة من أحد وإنْ مدفوعة، وكرهت الخروج من البيت فالشرّ خارجه، وقد سبقها إلى ذلك بعض المفكرين، وكانت تردد من قبل «نحن في الشام لا في نيويورك»، أضافت جارتي بأنها تحولت إلى كائن خائف يرتجف إن قرع الباب أو رنّ الهاتف، ثم قالت بعد صمت دامع بأنها كانت لتعطي أولئك السفلة راتبها التقاعدي كلّــه، ربما ليس في الدقيقة الأولى وقد كانت تحب هذا الراتب وهو واحد من مسرّات صغيرة بقيت ولم تنقطع طوال السنوات العجاف التي تتمدد، تمنّــت لو أنهم لم يدفعوها فتسقط لوفروا عليها سحجات دامية ملأت وجهها وكفّيها ونزيفاً في أنفها، وكان اللـه لطيفاً معها فحماها من الكسور وإن لم يحْمِها من طبيب الأشعة والعيون وبائع النظارات، فهناك كانت اللصوصية تبدو طليقة مخادعة في لطافتها.
أين الثقافة التي كنا نتفاخر بها حول احترام الكبير والعطف على الصغير؟

أين ذهبت الأخلاق وكيف نسترجعها؟ لماذا فشلت الأديان والثقافة والفنون في انتزاع الحيوانية الوحشية من القلوب؟
وادعى أحدهم بأن هذه الأمور تقع وتعرفها المجتمعات في أقصى الشرق والغرب ولسنا وحدنا في هذا الواقع المرير، ربما كان يريد أن يخفف من وطأة الحدث لكنه أخفق فعاد إلى قصة قريبه المسن وكان أكثر حظاً من جارتي، فقد هرب سائق التاكسي بأسطوانة الغاز حين نزل العجوز من السيارة، وكان قد انتظر الأسطوانة انتظار المشتاق الطويل.. وتذكرتُ ما قالتْه جارتي: «إنها تشعر بأنها مواطنة من الدرجة العاشرة بعد أن شاخت وما عاد أحد يحتاج إليها ورأيت المساء ينزل باكراً حزيناً، لكنني فكرت كما أفعل دائماً، في التربية فهي وحدها تستطيع أن تمنع السقوط الأخلاقي، يبدأ بها البيت ولا تنتهي عند المعلمين الآخرين في المدرسة والجامعة والجامع والكنيسة تساعدهم الفنون والكتب والتكنولوجيا – ثقافة المجتمع الإنساني ينبغي أن تعود، قد تتأخر، فتأثير الثقافة بطيء، يحتاج إلى مثابرة حثيثة مؤمنة، لن يساعد الإنسان سوى الإنسان حتى يعود الاتزان والرحمة إلى هذا العالم الأناني المتوحش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن