ثقافة وفن

رحيل «أسطورة» الإعلام المرئي الأميركي.. لاري كينغ … قدم أكثر من 40 ألف مقابلة مع شخصيات في مجالات مختلفة

| سارة سلامة

أمضى لاري كينغ أكثر من 60 عاماً وراء المذياع، وأصبح برنامجه الذي استمر من 1985 إلى 2010 على شبكة «سي إن إن» ممراً إلزامياً للمسؤولين السياسيين والمشاهير. ترك وراءه سجلاً يضم أكثر من 40 ألف مقابلة أجراها منذ العام 1985، من ياسر عرفات إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سارع إلى نعيه، مروراً بهيلاري كلينتون ومارلون براندو وكثيرين ممن صنعوا الأحداث.
حيث نعت شركة «أورا ميديا» في لوس أنجلوس نبأ وفاة كينغ، «ببالغ الحزن» في بيان نشرته على حسابها الرسمي على تويتر، فيما لم تحدد الشركة سبب الوفاة صراحةً، غير أن وسائل إعلام عدّة عزت الأمر إلى مضاعفات كوفيد ــ 19.
«ملك المقابلات»، الذي دامت مسيرته المهنية لأكثر من ستة عقود، رحل عن عمر 87 عاماً بعد ثلاثة أسابيع من إعلان إصابته بفيروس كورونا، ما استدعى دخوله إلى أحد مستشفيات لوس أنجلوس.

عملاق الإعلام

لم يمرّ على البيت الأبيض أي رئيس أميركي منذ جيرالد فورد، إلا وأجرى لاري كينغ مقابلة معه، إما بعد انتهاء ولايته وإما قبل ذلك، كما كانت الحال مع جورج بوش الإبن وباراك أوباما ودونالد ترامب. ومن برنامجه، أعلن الرئيس الراحل جاك شيراك عام 1995 خفض عدد التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادئ.
في هذا السياق، ومن بين التعليقات التي غصّت بها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بدا لافتاً ما قالته الصحفية في «سي إن إن»، كريستيان أمامبور، حين وصفت لاري بـ«عملاق الإعلام المرئي والمسموع»، فيما أشاد بوتين بـ«مهنيته الكبيرة».
وعلى مدى الأعوام الخمسة والعشرين التي قدّم فيها برنامجه الحواري، كان يحرص على التعاطي مع ضيفه بحرارة وبأسلوب شبه حميمي، بل حتى بشيء من المجاملة. وسبق أن قال في هذا الصدد لوكالة «فرانس برس» عام 1995: «لا يهمني أن أجعل الناس غير مرتاحين».
في المقابلة نفسها، أشار لاري كينغ إلى أنه أساساً لم يكن يعتبر نفسه صحفياً، بل كان يفضّل لنفسه صفة سمّاها بالإنكليزية infotainer، عانياً بذلك أنه يجمع بين تقديم المعلومات والترفيه.

موهبة فريدة

وقد أجرى كينغ ما يقدر بنحو 50 ألف مقابلة في حياته المهنية التي استمرت 60 عاماً من بينها 25 عاماً كمحاور في برنامج «لاري كينغ لايف» على شبكة سي إن إن الأميركية.
قالت شركة أورا ميديا في بيان: «على مدار 63 عاماً وعبر منصات الإذاعة والتلفزيون والإعلام الرقمي، فإن مقابلات لاري العديدة والجوائز التي حصل عليها والإشادة العالمية تمثل شهادة على موهبته الفريدة والمديدة كمذيع».
واجه مقدم البرنامج الحواري، الذي اشتهر بوضع جهاز تقويم أسنان، وثني أكمام القمصان التي يرتديها من دون سترة، وظهور حمالات البنطال الشهيرة على أكتافه، العديد من المشاكل الصحية في السنوات الأخيرة ومنها تعرضه لنوبات قلبية.

حياته

ولد الراحل في بروكلين، واسمه الحقيقي لاري زايغر، في 19 تشرين الثاني 1933 لوالدين مهاجرين روسيين، وتيتّم وهو في العاشرة. ولشدّة تأثره بوفاة والديه، لم يعد يبذل جهداً في المدرسة ولم يتابع قطّ دراسة جامعية.
لكنه كان مع ذلك يحلم بالعمل في الإذاعة، وانتقل إلى فلوريدا ليجرب حظه. أصبح لاري منسّق أسطوانات في محطة إذاعية في ميامي وغيّر شهرته إلى كينغ، إذ اعتبر مدير المحطة أن اسم عائلته يعكس أصوله، وغالباً ما كان المقدّم الجديد في الإذاعة يسجّل برنامجه في مطعم، ويدعو المارة إلى ميكروفونه.
في عام 1978، انتقل من فلوريدا إلى واشنطن حيث أطلق برنامجاً حوارياً إذاعياً وطنياً، ثم قدمه في محطة تلفزيونية محلية. وما لبثت CNN أن رصدته وضمته إلى فريق برامجها الليلية عام 1985.
تزوج كينغ ثماني مرات ولديه خمسة أولاد، توفي اثنان منهم العام الماضي خلال ثلاثة أسابيع فقط، إذ ماتت ابنته تشايا بسرطان الرئة وابنه آندي بنوبة قلبية.

شخصية فضولية

وعندما احتفل في 1997 بمرور 40 عاماً على انطلاق مسيرته المهنية، قال إنه «فخور» بالنجاح الذي حققه، معتبراً أن الفضل فيه يعود إلى وصفة بسيطة شرح مكوّناتها بقوله: «أنا فضولي، أطرح أسئلة مثيرة للاهتمام، لست هنا لإحراج (ضيوفي)، لقد أحببت دائماً أن يكون الضيوف مسترخين». وكانت طقوس برنامجه نفسها كل مساء: من الأستوديو الخاص به في واشنطن، كان لاري يطلّ على الشاشة وفي الخلفية أضواء المدينة، ويحاور ضيفه بأسلوب غير متوتر، قبل أن يجيب الضيف في الجزء الثاني من الحلقة عن الأسئلة التي ترده بالهاتف من كل أنحاء العالم، وكان البرنامج يُعرض ست مرات في الأسبوع، ويشاهَد في أكثر من 200 دولة. علماً بأن عدد مشاهدي لاري كينغ تجاوز المليون كل ليلة، ما جعله نجم القنوات الفضائية وسمح له بالتفاوض على راتب يتجاوز سبعة ملايين دولار سنوياً.

اعتزاله

بحلول عام 2010، انخفضت تقييماته بشكل كبير، حيث قال النقاد إن نهج كينغ يوحي بأنه عفا عليه الزمن في عصر أساليب المقابلات الأكثر عدوانية.
ليعلن بعدها اعتزاله العمل الإعلامي تماماً، وقال: «حان الوقت لخلع حمالاتي الليلية وتعليقها على الرف»، في إشارة إلى حمالات البنطال الشهيرة التي كان يرتديها ويظهر بها في كل برامجه.
في آخر حلقات برنامجه على شبكة سي إن إن، قال كينغ لمشاهديه: «لا أعرف ماذا أقول، لكم يا جمهوري، شكراً لكم. بدلاً من الوداع، ما رأيكم بهذه المدة الطويلة»؟
واستبدلته سي إن إن بالصحفي والمذيع البريطاني بيرس مورغان، الذي انتقد كينغ برنامجه لكون «مورغان يتحدث فيه أكثر من اللازم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن