قضايا وآراء

آخر أيام الطيش والعدوانية الترامبية

| أحمد ضيف الله

لم يسبق أن أصدر قضاء دولي أو عربي على وجه الخصوص، مذكرة إلقاء قبض بحق رئيس للولايات المتحدة الأميركية. القضاء العراقي فعلها، حين أصدرت محكمة الرصافة ببغداد في الـ7 من كانون الثاني 2021، «مذكرة القبض بحق رئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتهية ولايته دونالد ترامب ‏وفق أحكام المادة 406 من قانون العقوبات العراقي النافذ»، في جريمة اغتيال ‏نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقه، مؤكدة أن «إجراءات التحقيق سوف تستمر ‏لمعرفة المشتركين الآخرين في تنفيذ هذه الجريمة سواء كانوا من العراقيين أم من الأجانب»، وفقاً لبيان مجلس القضاء العراقي الأعلى، ومما يُشار إليه أن المادة 406 من قانون العقوبات العراقي تتعلق بجريمة القتل العمد وعقوبتها الإعدام.
إن قرار إلقاء القبض على رئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتهية ولايته دونالد ترامب جاء بعد انتهاء التحقيقات بعملية القتل المتعمد للشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقه في الـ3 من كانون الثاني 2020، وتدوين أقوال قسم من المدعين بالحق الشخصي، بمن فيهم الممثل القانوني عن سفارة جمهورية إيران الإسلامية في بغداد عن المجني عليهم من الإيرانيين، الشهيد قاسم سليماني ومرافقيه، إضافة إلى ما تم الاطلاع عليه «من مقاطع فيديو التي تتضمن بيانات رسمية للرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب التي تبين بأنه أصدر الأمر بتنفيذ تلك الجريمة» وفق تصريح القاضي حيدر علي نوري المشرف على المركز الإعلامي لمجلس القضاء العراقي الأعلى، وبالتالي تعامل القضاء العراقي مع القضية وفقاً للقانون الجنائي العراقي، على أنها جريمة جنائية حصلت على أرض عراقية، كان العدد الأكبر من المجني عليهم عراقيين.
بعد يوم من قرار محكمة الرصافة بحق ترامب، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية رئيس هيئة الحشد الشعبي والمستشار السابق للأمن القومي فالح الفياض ضمن لائحة العقوبات الأميركية، اتبعته في الـ13 من الشهر ذاته إدراج رئيس أركان الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي ضمن اللائحة.
وفي حين بدا فرض العقوبات الأميركية على الفياض والمحمداوي، وكأنه رد فعل على قرار أمر إلقاء القبض على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته ترامب الذي أصدرته محكمة الرصافة ببغداد، وأنه كان وليد الساعة ومجرد رد فعل ليس إلا.
إلا أنه في واقع الأمر سلوك أميركي عدواني مستمر على العراق لا علاقة له بقرار محكمة الرصافة، تمثل سابقاً في استهداف معسكرات قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي والمنشآت المدنية العراقية عمداً، والتذرع بأنه كان خطأً غير مقصود، متسببين في استشهاد المئات من العراقيين، إضافة إلى إدراج عدد من الشخصيات العراقية المُقاومة ضمن لائحة عقوباتها.
إن الجديد في الأمر هو انتقال نظام العقوبات الأميركي، من استهداف قادة الفصائل العراقية المُقاومة إلى استهداف شخصيتين رسميتين تحتلان موقعين مهمين في منظومة وزارة الدفاع العراقية، رغم وجود اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي تخص التعاون والصداقة بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق، وهو من دون شك أحرج الحكومة العراقية التي اكتفت ببيان خارجيتها، مبدية استغرابها «من القرار الصادر عن الخزانة الأميركيّة» الذي «مثّلَ مفاجأة غير مقبولة»!
هيئة الحَشد الشعبيّ قوات نظامية خاضعة لسيطرة الحكومة العراقية، أُقرت بقانون في الـ26 من تشرين الثاني 2016، كجزء من القوات المسلحة العراقية، وتأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، التي راعت واحترمت المواثيق الدولية تجاه الانتهاكات والجرائم الأميركية ضدها، آخذة بعين الاعتبار أن القوات الأميركية تعمل ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش! التي جاءت بطلب من الحكومة العراقية.
إن العقوبات الأميركية تجاه شخصيات رسمية اعتبارية تابعة لهيئة الحشد الشعبي، يتناغم مع الإستراتيجية الأميركية التي تكنّ العداء والخوف من هذه المؤسسة التي قاتلت تنظيم داعش ببسالة وهزمته، والتي تقف عقبة أمام تنفيذ مخططاتها الخبيثة في العراق، فقد بدأت باغتيال أبو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد الشعبي، لتستمر في إدراج فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي، وعبد العزيز المحمداوي رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي ضمن لوائح عقوباتها، وهي لن تتوقف، والأمر برمته ليس مستغرباً.
إن إخراج كامل القوات الأميركية من العراق، وتحجيم سفارتها في بغداد، أكبر وكر للتآمر والجاسوسية في المنطقة، ومحاكمة المنفذين والمساهمين بارتكاب جريمة مطار بغداد الدولي ومنتهكي السيادة العراقية وقتل العراقيين، هو الردّ الوحيد على اغتيال قادة النصر واستهداف رفاق دربهم بالعقوبات. ومن يعتقد أن عهد ترامب ولى، وبأن عهد الرئيس الأميركي جوزيف بايدن جونيور قد بدأ، وأنه سيكون أكثر عقلانية وعدلاً في تناول أوضاع العراق والمنطقة العربية، فهو واهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن