قضايا وآراء

لعنة ترامب داخل الحزب الجمهوري

| تحسين الحلبي

لا شك أن انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالطريقة التي وصفها معظم الأميركيين بالمذلة والمخزية، قد حرمته من تنفيذ سياسته الخارجية العدوانية لكنها لم تحرمه من تنفيذ سياسته للداخل الأميركي وفي ساحته السياسية لأنه ما زال قادراً على الاستعانة بأمواله وتبجحه بتصويت 74 مليوناً لمصلحته من أجل خلق المشاكل الداخلية التي ترك آثارها تتفاقم بعد تحريضه على الهجوم على مبنى الكونغرس وخلف بهذه الطريقة مضاعفاتها السلبية عليه وعلى أنصاره.
يحذر ويليام ريفرز بيت في تحليل نشره في مجلة «تروث آوت» الأميركية في 25 كانون الثاني الجاري، من قيام ترامب بشق الحزب الجمهوري إذا لم يقف الحزب ضد مشروع قرار عزله على يد الحزب الديمقراطي، ويكشف ريفرز بيت أن ترامب أشار إلى نيته تشكيل حزب يستند إلى أنصاره ويطلق عليه اسم «الحزب الوطني» أو «حزب الوطنيين» وينتظر موعد انتخابات المرحلة الثانية لمجلسي النواب والكونغرس عام 2022 لكسب جزء من أصوات الجمهوريين في هاتين المؤسستين التشريعيتين لكي يجد الجمهوريون حينئذ أنفسهم أمام خيارين كلاهما يبشر بنتائج وخيمة على مستقبل ونفوذ الجمهوريين في الحكم، لأن الوقوف مع ترامب في جلسة عزله المقررة في التاسع من شباط المقبل سيولد خسارة الحزب لأنصار كثيرين، ولن يستفيد من هذه النتيجة ترامب ولا الحزب الجمهوري، كما سيحمل الخيار الثاني بعدم الوقوف مع ترامب ودفعه إلى تشكيل الحزب الوطني، انشقاقاً داخل الحزب الجمهوري وبين أنصاره لأن ترامب سيحاول كسب عدد من المرشحين لانتخابات المجلسين إضافة لمن يدعمه من مرشحين جدد ولذلك سيجد الحزب الديمقراطي نفسه الرابح الأكبر في عام 2022 في كلا الاحتمالين بل قد يواجه الحزب الجمهوري خسارة تاريخية إذا أقدم ترامب على تنفيذ نيته بتشكيل الحزب الوطني.
يقول جيسون ميللر الذي كان عند ترامب محللاً للشؤون الإستراتيجية: إن ترامب ليس أمامه سوى هذين الخيارين للدفاع عن نفسه من العزل، كما لن يترك الساحة السياسية، وهذا ما وعد به أنصاره الذين جمع من تبرعاتهم مبلغاً كبيراً من المال في الأسابيع الأخيرة أثناء فرز الأصوات ومحاولته كسب قضية أنه الرابح ولابد أن يستخدمه إذا نفذ تهديده بشق «اليمين الأميركي».
يلاحظ المحللون في واشنطن أن فجوة كراهية عميقة بدأت تتسع ويتزايد تأثيرها في الحياة الاجتماعية بين الأميركيين من أصل أفريقي والبيض، بعد مقتل عدد من الأفارقة الأميركيين على يد قوات الشرطة بلا مبرر في عهد ترامب، وقد لاحظ البيض أن الذين اقتحموا مبنى الكونغرس كانوا من البيض ولم يكن بينهم واحد من غير البيض، وهذا يدل على الشرخ والانقسام في المجتمع الأميركي، وتوجه الأميركيين من غير البيض إلى تأييد الحزب الديمقراطي الذي استغل هذه الظاهرة التي كاد الأميركيون ينسونها فجاءت في عهد ترامب في أبشع أشكالها ولذلك يحاول الديمقراطيون الآن استثمار هذه الأوضاع لمنع الحزب الجمهوري من تحقيق أي مساواة مع نسبة وجودهم في المجلسين بل يقول البعض منهم: إن الحزب الديمقراطي لديه فرصة يجعل فيها الحزب الجمهوري لا يقوى على الوقوف على قدميه في الساحة السياسية الأميركية.
ومع ذلك لا بد لقادة الحزب الجمهوري إدراك ما يعنيه ويحمله الوضع الذي خلفه لهم ترامب وخطورته على مستقبل نفوذهم وسيطرتهم، وقد يلجأ عدد منهم إلى تفجير أحداث داخلية بهدف تحويل الانتباه عن فرصة استغلال الحزب الديمقراطي للظروف الصعبة التي يواجهها قادة الحزب الجمهوري، وسيجد الديمقراطيون أن من مصلحتهم إطالة إجراءات محاكمة ترامب التي تعد محاكمة للحزب الجمهوري، سواء وقف الجمهوريون مع ترامب أم تركوه وحده يمارس سياساته الخرقاء للدفاع عن نفسه من قرار العزل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن