من دفتر الوطن

من الألف إلى الياء

| فرنسا- فراس عزيز ديب

هل تعرفه شخصيّاً؟ لا..
إذن بأي صفةٍ ستكتب عن رحيلهِ؟
هذا السؤال راودني بشدةٍ عندما قررتُ أن يكون موضوع المادة اليوم هو رحيل الإعلامي، والمؤسس الحقيقي لفكرة «الناشيونال جيوغرافيك» بالنكهةِ السورية المرحوم موفق الخاني.
فعلياً تجاوزت هذه العقبة، إذ ليسَ بالضرورةِ أن تعرفَ أحداً بشكلٍ شخصي حتى يؤثِّر فيك خلالَ حياتهِ أو رحيله، تحديداً أن هذا الشخص كانَ لسنواتٍ طويلة ضيفاً خفيفَ الظلِّ على شاشاتنا المتواضعة التي كانت بالأبيضِ والأسود، لنعاصرَ معَ برنامجه الشهير «من الألف إلى الياء» مراحل مهمة من حياتنا، ولعلَّ ما يزيدَ من حجمِ هذا التأثير أن التلفزيون العربي السوري وقتها كان لهُ ذاكَ البريق الذي يجهله جيل الفضائيات سابقاً واليوتيوب لاحقاً.
هناك من سيعترض على هذا الكلام ويتساءل: ما الذي كان مميزاً في تلك المرحلة ونحن ننام ونستيقظ على ذات السياق الإعلامي عبرَ محطةٍ واحدة ولاحقاً اثنتين؟
هؤلاءِ المعترضون يشبهون أولئكَ الذين عاشوا فقراً مدقعاً، وعندما فتحَ اللـه عليهم باتوا يتنكرون لحالةِ الفقر السابقة، مشكلتهم ليست مع الفقر كحالة، مشكلتهم مع الذاكرة التي يُجسِّد فيها «العدم» جزءاً مهماً فتراهم يتمردون عليه. ببساطة ليسَ عيباً أننا كُنا فقراء، العيب بأن نكون غير متصالحين مع أنفسنا لنحيا بكرامة، هذا الكلام يتجسد في الحياة الشخصية مروراً بالحياة العامة وصولاً إلى دورة برامجية.
محو الذاكرة هي معركة يجب أن نعي بأن الانتصار بها هو جزء من البناء للمستقبل، الفكرة ليست فقط بما كان يجسده وما يقوله وما يقدمه هذا البرنامج، الفكرة ببساطة قدرة برنامج كهذا مع مقدمهِ أن يحيا في ذاكرتنا كل هذا الوقت، ولكي تتضح الفكرة أكثر تعالوا لنسأل جيل الشاشات الذكية: ما البرامج التي تُقدَّم حالياً وهل هي قادرة أن تعلق بذاكرتنا لعقودٍ قادمة؟!
بذاتِ السياق فقد لفتَ نظري السيرة الذاتية للفقيد الراحل، تُرى كم عدد الذين يعرفونَ بأن من كانَ يضع لنا آخر ما توصل إليه العلم بطريقةٍ مبسطة يمتلك هذا التاريخ منَ النضال في كل الساحات؟ تحديداً ونحن نرى الزمن الذي تحول فيهِ الإعلام إلى مزيجٍ من الألقاب الوهمية والبطولات الفيسبوكية التي تضع الإمعات في مصافِ قادة الرأي!
في الخلاصة: من الألفِ إلى الياء لم يكن مجردَ برنامج، يقدمه الراحل موفق الخاني، هو جزء من ذاكرتنا التي تعشق ذاك الزمن الجميل بحلوهِ ومره، سورية ببساطتها وجماليتها، هي تفاصيل لا يمكنك أن تشرحها لمن لا يدرك هذه المعاني لكنه يتأثر بـ«يوتيوبر» سخيف كل ما يقدمه أنه يرقص ويشتم أمام كاميرا. الأمر عصي على الشرح تماماً كأن تأتي بأبي النواس ليشرح لشعراء التفعيلة الجدد الذين ينتشرون كالفطر مواطنَ التصوُّف في شعره! هل هذا ممكن؟ حُكماً لا.. لكن ما هو ممكن أن نبقى أوفياء لذاكرتنا ولكل من شكَّل علامة من علامات وعينا ولو بكلمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن