قضايا وآراء

ليس صدفة!

| د. بسام أبو عبد الله

– مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية استعرت بشكل غير مسبوق أدوات العدوان المستمرة منذ سنوات، والتي لم تتوقف عن محاولات غسل الأدمغة، وقلب الأدلة والحقائق، والتزوير، وشن الحرب النفسية، وممارسة أقصى درجات الضغط الاقتصادي، والمعيشي على السوريين من خلال الحصار المعلن الذي أقرته إدارة الرئيس الأميركي السابق ترامب، وتتابعه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بنفس الطريقة، وبشراكة كاملة من بعض الأنظمة العربية، وبالتالي لا يوجد شيء يحدث بالصدفة، إذ ليس صدفة أن بقايا تنظيم داعش الإرهابي يتحرك في البادية السورية وينصب الكمائن، ويحاول نشر عدم الاستقرار الأمني، كما أنه ليس صدفة أن تعمل بعض الأطراف الإقليمية على تحريك أدواتها الإرهابية في درعا والسويداء، وتضغط من أجل بث عدم الاستقرار عبر الدعوة لتظاهرات مزعومة، أو روايات تمس رموزاً دينية، أو تنفيذ عمليات إرهابية هنا وهناك، وليس صدفة أن ميليشيا قسد تتحرك في هذا التوقيت في الحسكة نحو محاصرة مواقع ومباني الدولة السورية، وليس صدفة أن المحتل التركي يقطع المياه عن الحسكة، كما أنه ليس صدفة أن بعض المنافذ التجارية (التصديرية) على قلتها أغلقت فجأة، وليس صدفة أن الحملة الإعلامية التي يقودها عملاء وأدوات أجهزة المخابرات الغربية تحركت في وقت واحد، وبأمر عمليات واحد لبدء حملة التزوير، والتضليل، وكي الوعي لدى الشعب السوري الصامد، والصبور، والأسطوري للقول له ألا ينتخب، ولإيهامه أن المسؤول عن المشاكل الاقتصادية، ونقص الوقود، وحرق المحاصيل، وإغلاق المنافذ الحدودية، وتجفيف العملات الصعبة، و…. و…. هي الدولة السورية….. أما آن لكم أن تتوقفوا عن الكذب، والتضليل، والنفاق، والرياء، وأن توقفوا آلة الكذب الرخيص الذي لن ينطلي على أحد بعد سنوات عشر من هذا الإرهاب المنظم، والمفضوح والمكشوف.

– أما الذين يعتقدون أن هناك خيارات أخرى أمامنا، فليتفضلوا ويعرضوها علينا لنناقشها، سواء على صعيد التحالفات أم الخيارات، ففي الخيارات سوف أذكرهم بخيار الراحل معمر القذافي الذي دفع تعويضات بمئات ملايين الدولارات في قضية ضحايا لوكربي، الذين سقطوا بمؤامرة من الـسي آي إيه كما ستكشف الأيام، وذهب باتجاه الخيار الإفريقي بدلاً من العربي، وفقاً لدفتر الشروط، واستقبل في ليبيا رايس، وبلير وبيرلسكوني وغيرهم، وموّل حملة ساركوزي الانتخابية بـ(50) مليون يورو كما أثبتت تحقيقات القضاء الفرنسي، ووافق على تغيير النظام السياسي في ليبيا، وسلم البرنامج الصاروخي الليبي والنووي، حسبما كشفته وسائل الإعلام والأحداث.
والسؤال: هل حمت كل هذه التنازلات الراحل القذافي من الانقلاب عليه، والاكتفاء بقتله بطريقة وحشية، لا بل إن الأمر ذهب باتجاه تقسيم ليبيا ونهب ثرواتها، والإتيان بكل من هبّ ودبّ ليتدخل ويتاجر بدماء الليبيين، فهل هذا خيار مثلاً؟

– صدام حسين خيار آخر عندما خدم الولايات المتحدة والغرب بحربه ضد إيران، ثم حوصر العراق، واحتل في النهاية، ليعدم صدام في ليلة العيد بطريقة القصد منها الاستفزاز والإثارة لزرع الفتنة والحقد بين العراقيين، ثم إلى أولئك الذين يعتقدون أن حلفاء أميركا مرتاحون اقتصادياً أسأل: أين هي البحبوحة الاقتصادية في العراق مثلاً؟ وهل سُمح للعراق أن يأخذ خياراً تنموياً يحقق مصالحه مع الصين مثلاً؟ ألم تتم الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي لمجرد أنه أراد توقيع اتفاقيات مع الصين!

-هل الأردن في بحبوحة اقتصادية مثلاً بالرغم من أنه خادم مخلص وأمين لأميركا وربيبتها كيان الاحتلال العنصري الصهيوني؟

-وهل مصر مثلاً نموذج اقتصادي، وشعبها ينعم بثمرات كامب ديفيد ونتائجها؟ أم إنها للأسف دولة عربية كبيرة ولكنها عاجزة عن أخذ قرار سياسي حتى لو كان في مصلحة أمنها القومي! وهل حمى مصر مثلاً كل تعاونها مع واشنطن وعلاقتها بكيان الاحتلال العنصري من أن يهدد أمنها القومي عبر سد النهضة، وليبيا، وداعش، والتنظيمات التكفيرية الأخرى؟

-ثم هل حققت تونس مثلاً بعد سنوات عشر من الإطاحة بـابن علي، نماءً واستقراراً وتنمية، وحياة سياسية مزدهرة، أم إن نظام الإخونجية هناك انكشف وبان وسقط وطنياً وقومياً ودينياً، ليظهر أن كل ما هو مطلوب منه هو تمرير التطبيع مع الكيان العنصري، كما كان الأمر مع محمد مرسي، وأردوغان، وكل طاقم المتأسلمين الجدد، لأن ما يجب أن يعرفه الرأي العام أن الاتفاق الذي تمّ بين إدارة أوباما والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين نص على ثلاثة شروط مقابل دعم وصولهم للسلطة عبر ما سمي (الربيع العربي) وهي:

-التطبيع مع الكيان العنصري (تابعوا معي: المغرب وسعد الدين العثماني، هناك ماذا فعل، والغنوشي وما هو مطلوب منه، ومرسي الذي أعلن الجهاد ضد سورية، وأرسل رسالة للعزيز بيريز، وإخوان الشياطين في سورية الذين وقعوا سلفاً على هذا الشرط، وزاروا كيان الاحتلال).

-ربط اقتصادات البلدان التي سيحكمونها بالشركات الأميركية والغربية.

-طرد روسيا والصين وإيران من المنطقة.

-ما علينا سوى أن نرصد ونتابع ما الذي يجري لنفهم بعمق أن هذا هو المطلوب.

-أسأل أيضاً هل هناك عاقل في الكرة الأرضية يعتقد أو يصدق أن الحصار الخانق على سورية وشعبها هدفه الديمقراطية والحريات، ورفاه الشعب السوري الذي حقق قبل بدء (ثورة الناتو) أرقاماً اقتصادية، واكتفاءً غذائياً وصحياً وتعليمياً؟ هل هناك عاقل يمكن أن يصدق أن أميركا حريصة على الشعب السوري أكثر منا، وهل هناك عاقل لم ير الديمقراطية الأميركية، وهي تسحق السود ومواطنيها في الشوارع! ولذلك دعونا نركز على إنجاح استحقاقنا الانتخابي الرئاسي ليس فقط لأنه حق وواجب، بل لأننا يجب أن نوجه رسالة حاسمة لأعدائنا، وخصومنا بأن كذبكم انتهى، وأن وعينا لما يجري عالٍ وعميق، وأن خيارنا مع الرئيس بشار الأسد لأنه يمثل قيمنا ومبادئنا، وتاريخ أجدادنا ولأنه قادنا بصبر وحكمة وذكاء، ولأنه لم يسلم، ولم يتراجع في أصعب الظروف واللحظات، ولأنه الإنسان والمواطن، ولأننا نعي صعوبة ظروفنا وقساوة ما نمر به، ونعرف من هم أعداؤنا وخصومنا، فلن نخظىء البوصلة وسنواجهكم بالمزيد من العمل والجهد واليقظة، ولن تؤثر بنا حملاتكم الإعلامية لا في قناة الحرة ولا في الجزيرة، ولا المواقع المأجورة مدفوعة الثمن، ولا التجارة بالعواطف والمشاعر، ولا الحرب النفسية، لأنه آن لكم أن تفهموا أنكم لن تهزمونا، ولن تكسروا إرادتنا، فأنتم تثبتون لنا في كل يوم أنكم كذابون منافقون، وتأكدوا أنكم كلما هاجمتم رئيسنا، ازددنا قناعة بصحة خيارنا، ودقة بوصلتنا، فلتموتوا بغيظكم، لأن أوراقكم أصبحت مكشوفة.

-فما يحدث من هجوم إعلامي واقتصادي وأمني واستخباري ونفسي، ليس صدفة وسنواجهكم في كل مكان حتى سقوطكم النهائي، الذي لن يكون بعيداً.

-تأكدوا من ذلك لأن ألمنا وصبرنا ودماء شهدائنا وبردنا، وليالينا الصعبة، وحصارنا لن يزيدنا إلا قناعة أنكم لا تفهمون غير خيار المقاومة الذي قال عنه ذات يوم الرئيس الأسد إنه أقل كلفة من خيار الاستسلام، وفي كل يوم تؤكدون لنا أنه الخيار الوحيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن