من دفتر الوطن

مسلسل مضاد

| حسن م. يوسف

من المسلم به أن الجاسوس الناجح هو ذاك الذي يكشف نفسه بنفسه بعد انتهاء مهمته، رغم ذلك ما يزال الصهاينة والمتصهينون في مجال الإعلام والفنون البصرية، يسبحون بحمد الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين الذي قبض عليه رجال الأمن السوري متلبساً في دمشق، في الرابع والعشرين من كانون الثاني عام 1965، وتم إعدامه في ساحة المرجة في الثامن عشر من أيار بعد نحو خمسة أشهر.
الجديد في الأمر هو أن صحيفة «واشنطن بوست» نشرت في الثامن عشر من كانون الأول الماضي مقالاً بعنوان: «جهاز الموساد الإسرائيلي الأكثر سرية، يطمح لتجنيد عملاء له عبر نيتفلكس وهولو وتلفزيون آبل».
وقد جاء في مطلع المقال: «بعد عقود من العمل في الظل بدأ جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي الموساد يحصل على الكثير من أوقات البث سواء في الأخبار أو في أفلام الإثارة الجماهيرية». وقد نقل كاتب المقال عن أحد عملاء الموساد تأكيده على «دور المسلسلات التلفزيونية في عمليات التجنيد التي يقوم بها الموساد الإسرائيلي». وأشار الكاتب إلى أن شبكة تلفزيون «أبِّل بلاس» التي أنتجت وعرضت مسلسل «طهران»، وشبكة «نتفلكس» التي أنتجت وعرضت مسلسل «الجاسوس»، قد روجتا للموساد عبر عرض بعض تفاصيل العمليات المنسوبة إليه. والأهم من كل ما سبق قول الكاتب إن تسريب معلومات مضللة عن «بطولات الموساد» يساعد في عمليات تجنيد الجواسيس عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ونقلت الصحيفة عن أفانير أفراهام، الذي كان ضابطاً في الموساد لمدة 28 عاماً، قوله إن «كشف مهام وعمليات الموساد للجمهور يدعم إرثنا… فهو يتيح للناس الشعور بالفخر والتفكير في الجيل القادم، لأننا بحاجة إلى عملاء جدد».
خلال الأسبوع الماضي شاهدت مسلسل «الجاسوس» وقرأت جل ما كتب عنه، ولا أخفيكم أنني فوجئت بأن سيرة هذا الجاسوس الذي انتهى مشنوقاً في ساحة المرجة قد تم تجسيدها على الشاشة أربع مرات، وتم تحويلها من قصة إخفاق إلى قصة نجاح، رغم أن الخبراء في هذا المجال يرون أن «كوهين» كان مجرد فقاعة روّج لها جهاز «الموساد».
يقع مسلسل «الجاسوس» في ست حلقات وقد أنتجته شركة نتفلكس الأميركية عام 2019 وبثته عبر منصتها على الإنترنت، ولعب دور البطولة فيه الممثل البريطاني ساشا بارون كوهين الذي اشتهر بالشخصيات الهزلية المثيرة للجدل.
منذ الحلقة الأولى يستطيع المشاهد دون أي عناء أن يستنتج أن الهدف من هذا المسلسل هو تكريس الصورة البطولية الأسطورية لكوهين ومن خلاله لـجهاز الـ«موساد»، فقد جاء على لسان الضابط الذي جند كوهين: «شيء مذهل ما حققه في الوقت الذي أمضاه هناك… اجتاز كل الامتحانات بامتياز… كان الأسرع في التعرف على من يراقبه والأسرع في الإرسال… أنه أحد أفضل العملاء الذين قابلتهم طوال سنين خدمتي… عَلِمَ عن الإسلام أكثر من أغلب الأئمة! … الخ».
لا يسمح المجال هنا بعرض الأخطاء التاريخية العديدة التي وقع فيها المسلسل، لكن أكثر ما استوقفني هو قيام كاتبي العمل بإقحام عدد من الشخصيات التاريخية في الأحداث، فهما لم يكتفيا بزج اسم رجل الأعمال السعودي محمد بن لادن في مشروع تحويل مياه نهر الأردن من نهر بانياس إلى نهر اليرموك، بل أظهرا أسامة بن لادن كطفل صغير مع والده! في إشارة اتهام مجازية لسورية بأنها كانت ملاذاً لابن لادن منذ القدم.
العجيب في الأمر هو أن هذا المسلسل يحول الفشل إلى نجاح، فهو يسوق الجاسوس كوهين كبطل أسطوري، ويسيء للسوريين. والرد الوحيد اللائق على هذا الافتراء هو إنتاج مسلسل تلفزيوني مضاد يقدم الرواية السورية ويمجد الأبطال الحقيقيين الذين كشفوا الجاسوس كوهين وشنقوه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن