في ظل تدني القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار المستمر وعدم استقرار الوضع الاقتصادي نتيجة تراكم عوامل الأزمة والحصار والعقوبات وسواها، بات من الضروري البحث عن مخرج للأزمة الاقتصادية التي يعانيها المواطن في جميع جوانب حياته.
ولعل أهم ما يجب العمل عليه حالياً هو إطلاق العملية الإنتاجية الصناعية والزراعية الحقيقية وفق رؤية واضحة ومخططة.
الباحث الاقتصادي علي محمد في حديثه لـ«الوطن» أوضح أن إطلاق العملية الإنتاجية ضرورة اقتصادية ملحة منذ سنوات وليس الآن فحسب، فعندما نجد أن الميزان التجاري السوري قد سجل خسائر في العام 2019 بنحو 5 مليارات يورو، وأن المستوردات قد بلغت 6 مليارات يورو بينما لم تبلغ الصادرات سوى 525 مليون يورو في العام 2019، فهذا لوحده كفيل بالمسارعة إلى إقلاع العملية الإنتاجية.
مضيفاً إن ضعف الطاقة الإنتاجية السورية واضح جداً وتأثيره سلبي للغاية، مترافقاً مع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وضعف تنافسية المنتج السوري في الأسواق الدولية، وهذا العجز يعد أحد أسباب ارتفاع المستوى العام للأسعار المتتالي في سورية وتقلص الاحتياطي من القطع الأجنبي وأثره السلبي في الليرة السورية.
القروض التنموية للنهضة الزراعية
ومشيراً إلى أن انطلاق العملية الإنتاجية الزراعية أولوية في هذه الفترة لتلبية متطلبات المجتمع من الحاجيات الزراعية، وهذا يتطلب قيام الوزارات المعنية بواجباتها لتحقيق التنمية الزراعية في مختلف مجالات الزراعة، وتوفير التمويل اللازم للقطاع الزراعي ومنح قروض مجدية للزراعات ذات الأولوية كالقمح مثلاً وللمشروعات التي تعزز الإنتاج والنشاط الزراعي ثانياً، وفي هذا الصدد فإن المصرف الزراعي مطالب بالاستمرار بعمله وتوجيه دفة قروضه وفق الأولوية.
فمثلا كان قد منح قروضاً خلال 11 شهراً من العام 2020 بنحو 353 مليار ليرة (88% منها لمؤسسة الحبوب والباقي للأقطان وإكثار البذار)، بينما لم تتجاوز حصة الفلاحين 4.9 مليارات ليرة أي بمعدل 1.3% من إجمالي القروض وهو مبلغ قليل جداً لا يفي بمتطلبات العملية الزراعية، يضاف إلى ذلك عدم تمكن المصرف الزراعي من توفير كامل كمية الأسمدة المطلوبة للعملية الزراعية إنما يوزع المتاح منها فقط، وهذا يؤثر سلباً في العملية الزراعية وتكلفتها، وبناءً عليه، يعتبر توافر الأسمدة بكامل الكميات المطلوبة وبأسعار مقبولة، مع منح القروض الزراعية التنموية هو أساس نهضة القطاع الزراعي.
فعلى سبيل المثال، يتوافر في سورية 1.5 مليون هكتار جاهز لزراعة القمح سواء مروي أم بعل بحسب تصريح الوزير الزراعة، وإنتاج الهكتار الواحد المروي هو 4 أطنان قمح بينما إنتاج البعل هو طن واحد، وهذا يعني أن بإمكان سورية تحقيق إنتاج زراعي مهم جداً من القمح إذا توفر الدعم الكامل الآنف الذكر.
التهرب والإعفاء الضريبي
أما بالنسبة للإنتاج الصناعي فبين الباحث الاقتصادي أنه لتلبية الحاجات المحلية وزيادة الصادرات يجب العمل على مكافحة التهرب الضريبي من ناحية ومنح الإعفاءات الضريبية لبعض القطاعات من ناحية أخرى، فهناك بعض المجالات التي تستوجب تركيز الإنتاج فيها كالمواد التي نص عليها برنامج إحلال المستوردات والتي بلا شك ستدعم الميزان التجاري السوري إيجاباً من خلال تخفيض حجم المستوردات وتخفيض الكتلة بالقطع الأجنبي المدفوعة جراء ذلك، كما يجب تلبية حاجة السوق المحلي، وهي قد تدعم رقم الصادرات مستقبلاً.
وفي هذا الصدد، لابد من دراسة واقع المؤسسات العامة والمصانع التابعة للقطاع العام دراسة جدية تأخذ بعين الاعتبار جميع نقاط القوة والضعف التي تعتريها ليصار إلى اتخاذ قرارات جدية لإصلاح هذه المؤسسات سواء من حيث دمجها أم إصلاحها أم تغيير نظم الإدارة في كل منها.
توفر موارد الطاقة
وحول أبرز معوقات العملية الإنتاجية تحدث محمد فقال إن العقوبات على البلد والتي تصعب من عمليات استيراد المواد اللازمة للإنتاج سواء كانت أولية أم خام أو نصف مصنعة، وسواء ذات العلاقة بالمنتج النهائي أم بالآلات والتقنيات التي يتطلبها بعض المصانع والمعامل والآليات، وهذه الصعوبات تبدأ من وجود موردين يتعاملون مع البلد بكيفية وصول هذه المواد إلى البلد، مروراً بكيفية تحويل أثمانها وتعقد عملية تحويل الأموال وزيادة كلفتها، ويأتي المعوق الأهم وهو توافر موارد الطاقة لتعزيز الإنتاج، فالمازوت مادة مهمة لمتطلبات العمل الإنتاجي الزراعي والصناعي، وعدم توافر المادة بالشكل اللازم يؤثر سلباً في استمرار العملية الإنتاجية وتسعيرها.