قضايا وآراء

لغة ثبت عدم جدواها

| تحسين حلبي

يحاول بعض المحللين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة تفسير التصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي وهدد فيها بضرب المنشآت النووية الإيرانية بأنه يسعى من ورائها إلى إعلان التمسك بالخيار العسكري للتخلص من موضوع الملف النووي الذي يقلق واشنطن وعواصم أوروبا وكذلك للتخلص من الاتفاق الذي توصلت إليه الدول الكبرى مع طهران عام 2015، لكن هؤلاء المحللين يرون أنها لا تعني أكثر من تكتيك أراد كوخافي استخدامه لردع إيران من ناحية، وإبلاغ رسالة من ناحية أخرى لإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدين التي أعلنت عن استعدادها لإعادة الموضوع إلى التفاوض من جديد بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من اتفاق عام 2015.
هذه الرسالة الإسرائيلية المنسقة بين كوخافي، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بموجب ما قالته المحللة الإسرائيلية شمريت مائير في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 27 كانون الثاني الجاري، هدفها خلق مكابح لإدارة بايدين في أي مفاوضات مقبلة بين واشنطن وطهران. والحقيقة هي أن تهديد كوخافي باستعداد إسرائيل لخوض حرب على عدد من الجبهات في وقت واحد لن تكون أكثر من تبجح لن تجرؤ إسرائيل على تحمله في كل الاحتمالات وبخاصة في ظل السجل الذي يبينه الواقع منذ عام 2015 حين توصلت الدول الخمس زائد واحد مع طهران على الاتفاق، وأعرب نتنياهو في ذلك الوقت، عن رفضه لهذا الموقف الأميركي الأوروبي وهدد بعشرات التصريحات بشن حرب لوحده ضد المنشآت النووية الإيرانية لإفشال الاتفاق، ومنذ ذلك الوقت وحتى بعد انسحاب ترامب من الاتفاق، لم يستطع نتنياهو تنفيذ أي تهديد من عشرات التهديدات التي أطلقها كما لم يستطع دفع ترامب ووزارة الدفاع الأميركية على شن حرب مباشرة ضد إيران، لأن الأسباب نفسها التي منعت أوباما عن شن حرب مباشرة أميركية ضد إيران زاد عددها بعد أن تولى ترامب الرئاسة، نتيجة تزايد قدرات إيران ومحور المقاومة بعد عام 2017 عما كانت عليه عام 2015، وهذا ما جعل غادي آيزنكوت الذي كان يتولى منصب رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت، وكان نائبه كوخافي يعلن في أكثر من مناسبة أن من مصلحة إسرائيل العمل على تجنب حرب شاملة لوحدها ضد إيران أو جبهة الشمال، وأن ما يجري الآن بين إسرائيل وسورية أو إيران هو لتحقيق أهداف تكتيكية تمنع إيران من زيادة قدراتها في الأراضي السورية.
حتى هذا التبرير يدل على تراجع القدرة الإسرائيلية بل وتناقص درجة الردع التي اعتادت على التبجح بها لأنها طوال تلك السنوات كانت تمتنع عن ضرب أهداف داخل إيران وكانت حين تقوم بغارة جوية أو صاروخية فوق الأراضي السورية تتجنب الاعتراف المباشر بمسؤولية عدد من هذه الغارات تحسباً من نتائجها المباشرة، وفي العلوم العسكرية يدل هذا الشكل من أشكال العدوان التكتيكي وسياسة الغموض في الإعلان عن المسؤولية نحوه على تناقص في درجة الردع التي تحاول إسرائيل توظيفها لحماية نفسها أو للظهور بمظهر المتفوق على دول المنطقة.
الحقيقة أن واشنطن نفسها لم تجرؤ على الرد على قصف وتدمير قاعدتها عين الأسد في العراق حين قصفتها إيران بعشرين صاروخاً لم تنجح القوة العسكرية الأميركي بصدها في ذلك الوقت فهل سيكون بمقدور إسرائيل صد عشرات الآلاف من الصواريخ على مواقع قواتها ومستوطناتها من عدة جبهات بموجب ما يعلن كوخافي؟!
يبدو أن شمريت مائير تميل إلى التهكم حين تقول إن تهديدات كوخافي ونتنياهو لم يعد لها معنى عملياً بعد إصرار بايدين وإدارته على فتح أي باب للتفاوض مع إيران لا لأن بايدين يميل إلى العمل السلمي بل لأن وزير الدفاع الأميركي الجديد نفسه يدرك أن أي حرب أميركية على إيران غير مضمونة النتائج في هذه الظروف، ويصعب أن تحقق أهدافها ضد الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة.
المحلل العسكري في «يديعوت أحرونوت» روني بن يشاي بدوره أعرب عن شكوكه أمس من إمكانية تأمين ميزانية عسكرية كبيرة للعام 2021 طلبها كوخافي، في حال اندلعت الحرب ضد إيران أو محور المقاومة، وقدر بن يشاي أن المطلوب هو عدة مليارات من الدولارات لكي يتمكن الجيش من شن حرب ستتسع بالضرورة إلى عدة جبهات؟ وبالإضافة إلى ذلك تشير الإحصاءات الإسرائيلية الاقتصادية بعد سنة من اجتياح وباء كورونا على إسرائيل أن انتقال الوضع الاقتصادي الذي تدهور خلال عام يتطلب مليارات لإعادته إلى ما كان عليه عام 2018-2019 بل وسنوات من الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن