ثقافة وفن

الاعتذار من شيم الكبار وأخلاق الأقوياء … نزار قباني: أقدم اعتذاري عن كل ما كتبت من قصائد شريرة

| وائل العدس

«الاعتذار من شيم الكبار، وخلق من أخلاق الأقوياء، وعلامة من علامات الثقة بالنفس التي لا يتصف بها إلا الكبار».. مقولة تربينا عليها منذ الصغر، توضح أن الاعتذار ما هو إلا خلق رفيع، لا يقدر عليه سوى النفوس السوية. وقد احتفل العالم يوم أمس باليوم العالمي للاعتذار.

ولا يوجد أحد مثالي، وقد يحتاج بعضنا إلى تعلم كيفية الاعتذار فكلنا نرتكب الأخطاء، ولدينا القدرة على إيذاء المحيطين بنا من خلال تصرفاتنا وأفعالنا، سواء كانت مقصودة أم لا. وأن تكون لديك ثقافة الاعتذار ليست أمراً سهلاً دائماً، ولكن تقديم الاعتذار بالطريقة المثلى والأكثر فاعلية يساعد على استعادة الثقة والتوازن في العلاقة، عندما تقوم بشيء خاطئ.
فالاعتذار في حد ذاته هو إظهار ندمك على فعل معين، كما تعترف بالأذى الذي سببته نتيجة فعلك. وتعلم فنون الاعتذار وكيفية القيام به يعتبر الطريق للحصول على العفو، وعودة العلاقات الجيدة.
ويتطلب الاعتذار ثقافة وأدباً، وهو فن يدل على قوة الشخصية، ولكن هناك بعض النفوس الضعيفة التي ترى الاعتذار ضعفاً وقلة كرامة، فإن كنت ترغب في تقديم اعتذارك، تعرف على طريقة تقديم الاعتذار، لاستمرار العلاقات الإنسانية بين الناس.
وتوصلت بعض الدراسات إلى أن هناك العديد من العلاقات انقطعت إلى الأبد، بسبب عدم القدرة على تقديم الاعتذار، حيث يعجز البعض عن قول كلمة مثل «آسف»، والتي لها تأثير قوى في عودة العلاقات مرة أخرى. لذلك «أنا آسف عما بدر مني تجاهك».. جملة صغيرة قادرة على إنهاء سوء الفهم الذي جرى.
ويجب أن يكون الاعتذار نابعاً من قلبك، حتى لا تكرر الخطأ مرة أخرى، فالأساس هو الفعل وليس مجرد كلمة اعتذار. ولا يجب أن تدخل الطرف الثالث في الاعتذار، كلما كان الاعتذار على شكل أضيق، كان أفضل.

بناء الثقة

يفتح الاعتذار حواراً بينك وبين الشخص الآخر، كما يمنح الشخص الآخر الفرصة التي يحتاجها للتواصل معك.
وعندما تعتذر، فإنك تقرّ أيضاً بأنك قد آذيت أحدهم، وأن فعلك كان خاطئاً. هذا يساعدك على إعادة بناء الثقة وإعادة تأسيس علاقتك مع الشخص الآخر.
يظهر الاعتذار الصادق أنك تتحمل المسؤولية عن أفعالك، وهذا يساعد على تعزيز ثقتك بنفسك، واحترام الذات.
وباعتذارك النابع من إحساسك بالخطأ، فأنت تعيد للشخص الآخر كرامته، وهذا يعود بنفعه عليك أيضاً، فلا تستمر في لوم نفسك على ما فعلته.

أربع خطوات

في مقال في مجلة أبحاث علم النفس قدم عالما النفس ستيفن شير وجون دارلي إطاراً من أربع خطوات توضح فنون الاعتذار.
الخطوة الأولى: التعبير عن الندم، ووصف ما فعلت بوضوح، من الممكن استخدام آسف أو أنا أعتذر، فهذه الكلمات تعبر عن الندم. ولكن من المحبذ ألا تقولها منفردة، وإنما اقرنها بالأسباب. على سبيل المثال يمكنك أن تقول أنا آسف لأنني رفعت صوتي أمامك بالأمس، أو أعتذر لسوء تصرفي معك.
حاول أن يكون الاعتذار نابعاً من داخلك، وانتق كلماتك بعناية، وكن صادقاً مع نفسك ومع الشخص الذي تعتذر له.
الخطوة الثانية: الاعتراف بالمسؤولية، وفهم تأثير ما فعلت أو ما قلت، وتتطلب تلك الخطوة أن تتعاطف مع من ظلمته. لا تضع افتراضات واهية، وضع نفسك في مكان الشخص الذي جرحته أو أحرجته، وتخيل شعوره في ذلك الموقف.
فعلى سبيل المثال، لو تأخرت عن تسليم عملك في الوقت المحدد، فعليك أن تعترف بمسؤوليتك، والعواقب التي قد تترتب على تأخرك مثل إنهاء العميل للتعاقد معك.
الخطوة الثالثة: التعويض، وهنا عليك أن تجد طريقة تعوض بها من أسأت إليه على حسب الموقف. فعلى سبيل المثال لو أخطأ المدير في حق أحد موظفيه أمام موظف آخر أو أكثر، فعليه أن يعتذر إليه أمامه، أو أن يمتدحه أمامهم، أو أن يعطيه فرصة تحمل مسؤولية معينة ليظهر من خلالها مهارات، على أن يتجنب أن يكون وعداً زائفاً، فهنا يكون الضرر مضاعفاً.
الخطوة الرابعة: الوعد بأن الأمر لن يتكرر، وتعتبر بمثابة رسالة اطمئنان بأنك غيرت سلوكك. وتساعد تلك الخطوة على إعادة بناء الثقة وإصلاح العلاقة مرة أخرى.
من الممكن إضافة خطوة أخرى، ألا وهي عدم تقديم الأعذار، فلو أقدمت على تفسير موقفك، وشرح سبب تصرفك على هذا النحو، فلا تلجأ إلى تقديم الأعذار فتلقي باللوم على شخص أو شيء آخر، فهذا يظهرك ضعيفاً.

ماذا بعد الاعتذار؟

يمكن أن يكون تجاوز الأمر بسيطاً، ولكن يمكن أن يكون معقداً في بعض الأحيان. بعض الناس يكنّون ضغينة لمدة ما بناءً على ما اقترفته، وبصراحة، هو من حقهم على الأقل، لو كنت تجاوزت فعلاً في حقهم. لا يجب أن تتوقع أن اعتذاراً، حتى لو كان حسن الصياغة وصادقاً، قادر على أن يمحو تماماً أي أخطاء اقترفتها في المقام الأول. بدلاً من ذلك، تعهد بأن تكون أنضج وأنك ستتجنب ارتكاب الخطأ نفسه مجدداً.
وحبذا إن كنت تستطيع فعلاً أن تظهر أن سلوكك يتغير، فمن المرجح آنذاك أن يسترد الطرف الآخر مرة أخرى احترامه الذي كان يكنّه لك. بعبارة أخرى، لا يجب أن يكون اعتذارك صادقاً وحسب، بل يجب أن يستمر هذا الصدق في حياتك في حين تمضي إلى المستقبل.

أقوال المشاهير

الأديب اللبناني جبران خليل جبران: الاعتذار لا يعني أنك على خطأ فقط، بل يعني أنك تقدّر العلاقة مع الآخرين وتمنحها أهمية كبيرة.
الكاتب الإنكليزي جي كيه شسترتون: الاعتذار البارد يعتبر إهانة ثانية.
الأديب المصري نجيب محفوظ: من الأخطاء ما لا يجدي معه الاعتذار.
الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: في الاعتذار عودة إلى الطفولة.
الفيلسوف الإيرلندي جورج برنارد شو: إذا كان الاعتذار ثقيلاً على نفسك، فالإساءة ثقيلة على نفوس الآخرين أيضاً.

شعر عن الاعتذار

ويقول نزار قباني:
أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهار
عن الكتابات التي كتبتها
عن الحماقات التي ارتكبتها
عن كل ما أحدثته في جسمك النقي من دمار
وكل ما أثرته حولك من غبار
أقدم اعتذاري
عن كل ما كتبت من قصائد شريرة
في لحظة انهياري
فالشعر يا صديقتي منفاي واحتضاري
طهارتي وعاري
ولا أريد مطلقاً أن توصمي بعاري
من أجل هذا.. جئت يا صديقتي
أقدم اعتذاري
ويقول أيضاً:
أحبائي:
إذا جئنا لنحضر حفلة للزار
منها يضجر الضجر
إذا كانت طبول الشعر، يا سادة
تفرقنا.. وتجمعنا
وتعطينا حبوب النوم في فمنا
وتسطلنا.. وتكسرنا
كما الأوراق في تشرين تنكسر
فإني سوف أعتذر
أقدم اعتذاري
ويقول أبو فراس الحمداني:
وَلي في كُلِّ يَومٍ مِنكَ عَتبٌ
أَقومُ بِهِ مَقامَ الاعتِذارِ
حَمَلتُ جَفاكَ لاجَلَداً وَلَكِن
صَبَرتُ عَلى اِختِيارِكَ وَاِضطِراري.
ويقول أبو علاء المعري:
فَذاكَ أَوانُ تَخضَرُّ الرَوابي
لِناظِرِها وَتَبيَضُّ الوِذارُ
أَيُلقى العُذرُ أم أَبَتِ الخَطايا
قَديماً أن يَكونَ لَكِ اِعتِذارُ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن