«الوطن» تنبش رقماً مجهولاً في تاريخ كرة القدم السورية والعربية … عبد الناصر عباسي شباكه عذراء مدة 1559 دقيقة
| محمود قرقورا
لغة الأرقام مهمة في عالم كرة القدم وتحمل الكثير من الدلالات، وتزداد أهميتها عندما تكون قياسية لأنها تبقى راسخة في الأذهان من جهة، ولأن المنافسين يحلمون بتحطيمها من جهة ثانية، ولكن أن يبقى الرقم القياسي مدفوناً نحو أربعة عقود فهذا تقصير من الإعلاميين المواكبين لتلك الحقبة، وربما لم يكن هناك اهتمام باللغة الرقمية وهذا وارد، ولكن أن يأتي إعلاميو اليوم للادعاء بأن رقم حارس مرمى ما خلال هذا الدوري قياسي ويتبنوا هذا الرقم جزافاً فهنا الجريمة الحقيقية بحق لاعبين أفنوا عمرهم بين الخشبات الثلاث وتعرضوا للكثير من المحن والويلات وبعضهم كان قريباً من فقدان حياته دفاعاً عن قميص منتخب نسور قاسيون، وصاحب الرقم القياسي عبد الناصر عباسي واحد من هؤلاء.
والغريب أن العباسي نفسه لا يعلم حقيقة الرقم وهذا ليس بجديد على لاعبينا، وكم كانت فرحته لا توصف عندما علم بالحقيقة التي أثلجت صدره طرباً وأدمعت عينيه فرحاً.
عندما أصدرت كتابي الدوري السوري ومضات وأبطال قبل خمسة عشر شهراً لم أكن أمتلك الوقت الكافي للبحث عن أرقام حماة الشباك، ولفت نظري الحراس الذين حافظوا على نظافة شباكهم في الأسابيع الأولى المتتالية من الدوريات تيمناً بالرقم القياسي المونديالي الذي يحمله الحارس الإيطالي وولتر زينغا مدة 517 دقيقة متتالية في مونديال 1990، فخلصت إلى نتيجة مفادها أن عبد الناصر عباسي أكثر من حافظ على نظافة شباكه مطلع الدوري بتسع مباريات متتالية مطلع دوري 1979/1980 مع الشرطة وهذا مثبت في الصفحة 206 من الكتاب وفاتني الإشارة إلى محمود كركر مطلع موسم 2006/2007.
تألق النعسان فتح الحوار
هذا الموسم جُوبهت بجملة أسئلة حول الرقم القياسي على هامش محافظة عبد اللطيف النعسان حارس الكرامة على نظافة شباكه تسع مباريات متتالية ووصل إلى 897 دقيقة بشباك عذراء بين هدفي لاعب الجيش مؤمن ناجي في الدقيقة السابعة والثلاثين لحساب المرحلة الثالثة من الدوري الممتاز 2020/2021 وهدف نديم صباغ لاعب تشرين لحساب المرحلة الثالثة عشرة عند الدقيقة الرابعة والثلاثين.
هذا الرقم يستحق الاحترام ورقم مالك شكوحي مع نادي جبلة مدة 870 دقيقة خلال موسم 1990/1991 بداية من المباراة الأخيرة ذهاباً أمام الشرطة وحتى المباراة العاشرة في رحلة الإياب أمام الاتحاد رقم كبير، ورقم محمود كركر مع الاتحاد مدة 825 دقيقة رقم يستحق الإشادة، ولكن كل هذه الأرقام نقطة في بحر رقم عبد الناصر عباسي حارس الاتحاد والشرطة والجيش في السبعينيات والثمانينيات.
حقيقة أجبت كل من سألني إن الرقم القياسي بحوزة عبد الناصر عباسي وكل الحراس الذين حاولوا التقليد بقوا بعيدين عنه، ولم أشأ أن أعطي الرقم الدقيق لأنني كنت أتوخى الحذر علّ الرقم يكون عربياً وليس سورياً فقط، وهذا ما توصلت إليه من خلال تواصلي مع الموثقين من مختلف الدول العربية وفق تطبيق يجمعنا على الهواتف المحمولة.
من البطل وحتى الخالدي
الحارس المصري الشهير ثابت البطل حارس النادي الأهلي على حد قول الموثّق المصري خالد جمال حافظ على نظافة شباكه مدة 1440 دقيقة والبداية كانت من مواجهة الإسماعيلي يوم 7 نيسان 1975 عندما تلقى هدفاً في الدقيقة 12 من تلك المباراة التي انتهت بالتعادل 1/1، ومن بعدها أمضى 15 مباراة بشباك نظيفة، وفي المباراة السادسة عشرة تلقى هدفاً في الدقيقة 58 بمباراة الأهلي وغزل المحلة التي انتهت بفوز الأهلي بهدفين لهدف يوم 29 كانون الأول عام 1976.
الحارس الكويتي نواف الخالدي حافظ على نظافة شباكه 16 مباراة متتالية ومجموع دقائق شباكه العذراء بشكل متتال مع القادسية 1453 دقيقة خلال عامي 2011 و2012.
وهذان الحارسان هما الأعظم عربياً في هذا الجانب، وعندما علمت بذلك أخبرت الزملاء العرب بأنه ربما يكون الرقم القياسي لعبد الناصر عباسي عربياً وهذا ما حصل بالضبط.
تفاصيل الرقم
حافظ عبد الناصر عباسي تسع مباريات متتالية مع الشرطة على نظافة شباكه موسم 1979/1980 بواقع 810 دقائق في المباريات التالية:
28/9/1979: الشرطة × الكرامة 2/صفر أنور عبد القادر هدفين.
7/10/1979: النصر × الشرطة صفر/2 أنور عبد القادر من جزاء وهيثم برجكلي.
12/10/1979: الطليعة × الشرطة صفر/3 محمود سلطان وعبد العزيز باير وعبد الرحمن كاتبة.
26/10/1979: الوثبة × الشرطة صفر/1 أنور عبد القادر، وتصدى العباسي لركلة جزاء سددها مروان خوري.
5/12/1979: الوحدة × الشرطة صفر/4 فؤاد عارف هدفين وأنور عبد القادر وبشار ملاح.
14/12/1979: المجد × الشرطة صفر/3 أحمد وتد وأنور عبد القادر وجهاد شيط.
21/12/1979: الجيش × الشرطة صفر/صفر.
27/1/1980: النصر × الشرطة صفر/4 هيثم برجكلي هدفين وسامر عصاصة وعبد الرحمن كاتبة.
1/2/1980: الشرطة × الوثبة 5/صفر أحمد وتد وأنور عبد القادر هدفين أولهما من جزاء وعبد الرحمن كاتبة وجورج نصري.
وبعد هذه المباريات توقف الدوري بسبب مشاركة منتخب سورية في تصفيات أولمبياد موسكو ببغداد خلال شهر آذار 1980 فخسر منتخب سورية أمام الكويت والعراق صفر/1 وأمام الأردن تعرض لإصابة بليغة إثر الاصطدام العفوي بنبيل التلي ليبتعد عن الملاعب مدة عامين، مع نصائح طبية باعتزال الكرة.
دوري 1980/1981 لم يقم لكون الدوري الذي سبقه طال كثيراً لدرجة أن آخر مباراة للشرطة ذاك الموسم لعبت يوم 3 أيار 1981.
وفي الدوري التالي التصنيفي موسم 1981/1982 بغياب الجيش والشرطة لم يلعب لكونه مع الشرطة وهو أساساً في طور التأهيل.
وفي الموسم التالي 1982/1983 عاد إلى صفوف الاتحاد لم يلعب بمواجهتي تشرين والفتوة يومي 3 و10 أيلول 1982 عندما حرس مرمى الاتحاد عبد المنعم سواس، وفي المباراة الثالثة للاتحاد ذاك الموسم يوم 12 منه بمواجهة الجهاد في القامشلي التي انتهت بالتعادل 1/1 عاد العباسي وسجل هدف الجهاد روميو إسكندر عند الدقيقة الثامنة والعشرين.
وبذلك يحافظ العباسي على نظافة شباكه مدة 837 دقيقة.
البحث أكثر
ذاك الرقم محرض للبحث الأعمق في بطون التاريخ إنصافاً للمجتهدين، إذ لابد من العودة إلى الدوري الأخير الذي سبق مجيئه لنادي الشرطة موسم 1978/1979 وفيه حافظ العباسي على عذرية مرماه في آخر ثماني مباريات وفق البيان:
6/2/1979: الاتحاد × الشرطة صفر/صفر.
18/2/1979: اليرموك × الاتحاد صفر/2 فاخر زين الدين وفاتح زكي.
23/2/1979: الاتحاد × الوثبة صفر/صفر.
5/3/1979: الطليعة × الاتحاد صفر/1 أحمد هواش.
8/3/1979: الاتحاد × الوحدة 2/صفر أحمد هواش وفاخر زين الدين.
16/3/1979: الاتحاد × الحرية 1/صفر عبد القادر سلطان.
23/3/1979: الجزيرة × الاتحاد صفر/صفر.
30/3/1979: تشرين × الاتحاد صفر/1 عبد القادر سلطان.
والمباراة التي سبقت سلسلة اللقاءات الثمانية كانت بمواجهة الكرامة يوم 2 شباط 1979 ووقتها فاز الكرامة بهدفين لهدف، وجاء الهدف الثاني للكرامة بتوقيع محمد حربا عضو المكتب التنفيذي السابق في الدقيقة الثامنة والثمانين، ليكون مجموع الدقائق المتتالية التي حافظ فيها العباسي على نظافة شباكه مع نهاية ذاك الموسم المذكور 722 دقيقة.
وهكذا نجد أن العباسي أمضى 17 مباراة متتالية ومرماه مستعص على الخصوم من شباط 1979 وحتى شباط 1980 منها 15 مباراة خلال عام 1979 ومباراتان خلال عام 1980، وهذا مؤشر على أنه كان بإمكانه التحليق أكثر والتألق بشكل أعمق لولا الإصابة.
رأي بألف
الزميل الباحث الإعلامي أيمن جاده الذي عاصر عبد الناصر عباسي عندما كان لاعباً وأثناء عمله الاحترافي في تدريب حراس المرمى بقطر خصّ «الوطن» بالرأي التالي حول العباسي والرقم بقوله:
عرفت عبد الناصر عباسي مباشرة بعد إصابته الخطيرة التي تعرّض لها في بغداد ضمن تصفيات دورة موسكو الأولمبية، عرفته شجاعاً، صابراً، مؤمناً بقضاء اللـه وقدره.
وراقبته وهو يعيش رحلة العلاج الطويلة في بريطانيا ثم سورية حتى اكتمل شفاؤه، فكان قراره الجريء بالعودة إلى اللعب رغم تفاوت نصائح الأطباء بين ضرورة الاعتزال أو العودة الحذرة، لكنه صمم على العودة، وعاد إلى التدريب ثم اللعب بجرأة وإقدام، وتألق مجدداً وأثبت أنه قادر على العودة أفضل مما كان، وتنوعت ملاعب تألقه بين ناديه الاتحاد وبين فريق الشرطة ومنتخب القوات المسلحة، والمنتخب الوطني ودون غطاء رأس كما فعل بيتر تشيك بعده بسنوات، وأكمل مسيرة مميزة كأحد أفضل وأشجع حراس المرمى السوريين والعرب واستحق فيها هذا الرقم القياسي ولو كنوع من التقدير المتأخر والذي ظل مخفياً في بطون كتب التاريخ أربعة عقود قبل أن ينبشه زميلنا محمود قرقورا ويكشفه للعيان، ولقد تحول عباسي إلى تدريب الحراس مستفيداً من خبرته الطويلة وسنوات تألقه وكأن كرة القدم تجري في عروقه ولا يمكنه الاستغناء عنها.