ثقافة وفن

ثورة جنسية

د. نبيل طعمة :

يتسع العالم أفقياً وعمودياً، يتداخل مع محاوره كتداخل المفتاح في القفل، وولادة الكلمة من الفكر، من خلال متلازمتي (فاه و باه) وانطباعها على سطور الورق من خلال القلم، تلاقح فكري بين الأمم، يسود عصرنا الحالي، كتلاقح الجنسين الذكر والأنثى، وتداخلهما تداخل الميل في المكحلة، فعلاقة عنواننا بالذي نمر به دعت إليه الضرورة الاجتماعية بقوة، بعد أن وصلت المجتمعات العربية إلى ما وصلت إليه من انفلات أخلاقي في جميع محاور حياتها الدينية والاقتصادية والسياسية، وبعد أن ظهرت الفتاوى والوعود بالجنان، وأن فيها كل ما لا يخطر على بال، من جنس وخمر وغلمان، وبعد أن أصبح قتل الإنسان للإنسان باسم الله، ودفاعاً عن الله، وكأن الله ضعيف يحتاج إلى من يدافع عنه، وبعد أن ظهر جهاد النكاح، وبأشكال بشعة بحجة إراحة المقاتل وضرورة تهيئته جنسياً، حتى يستطيع القتل بدم بارد، ويدمر بدم مثلج، لمنتجات الحياة ومخرجاتها النوعية. تخلف هائل في الذهنية العربية، يحيا بين الحلال والحرام، من دون إدراك لهذين المفهومين، التشدد يؤدي إلى الاضطراب الخفي، القدرة على التحرر منه بإخراجه إلى العلن، أو الإفصاح عنه، الإنسان العربي يقاتل طوال عمره من أجل الوصول إلى حالات البغاء الشرعي، وأين؟ في عالم الجنان، وتحت مظلة الله، فماذا يعني أن يمنحه المفسر سبعين حورية، وأنهاراً من الخمر، وغلماناً يطوفون عليه؟ ألا يشير هذا إلى حجم العقد الحياتية المتعلق بها؟ ماذا يعني إرضاع الموظفة لزملائها، أو لزائريها، كي لا يشتهوها جنسياً، وليتحولوا إلى أبناء؟
وماذا يعني تبادل الخيانة الفكرية بين الأزواج لحظة الجماع؟ فهو يفكر في شيء، وهي تفكر في آخر، وكل يشتهي طريقة جنسية، ينفذون تلك الرغبة بصمت، وبعيداً عن جمال وجودها، المهم والأنكى من ذلك، أنهم ينجبون، ويتكاثرون، ويخونون مع أصدقائهم، يفعلون كامل المجون، يمارسون المحرم، وكل ما يحلمون بفعله.
العربي يحيا حرمان الجمال، ولذلك لم يدركه في حياته المعيشة، لأنه حمل في داخله تصورات عالم الجنان، أو ما يطلق عليه الآخرة، التي وكما تحدثت، يتحقق له فيها كل ما منع منه، لذلك نجد أن ضرورة القيام بثورة جنسية تبدأ من داخل الإنسان العربي، تحرره من العقد المتراكمة في عقله، فإن استوعب منظومتها تحرر وذهب إلى بناء الجمال، بدلاً من ذهابه لاغتصاب كل شيء، أو تدمير كل شيء، ومن مراقبة الواقع، نعلم أنه لم يقدر حتى اللحظة، أن ينجز، أو يفكر، أو يتفكر في عمليات إحداث الجمال أولاً، والحفاظ عليه ثانياً، بكونه سجن وجوده في داخله، وأعلن أنه يحيا في سجن كبير خارجاً، تقوده أفكار شهوانية في الوقت الذي يجب أن يعني الجنس له الحب، وعليه أن يدركه، فالحب لا يعني التملك، وجميع الإنسان يحتاج إلى وجوده معه، من أجل الوصول إلى الإبداع والتمتع بالحياة، حيث به يحدث التطور، فهل نستطيع أن نتخيل، أو نراقب الواقع؟ حينما يفتقد الحب، يفتقد النجاح، والشهوانية تأخذ به إلى التهام كل شيء، بينما الحب، يأخذ بنا إلى الترقق والتلطف والتعامل مع الموجودات برقة ودقة، اللتين يحافظ بهما على الأشياء، كما أن إحلال المصارحات بدلاً من كبت المطلوب، يؤدي إلى خلق مجتمع شفاف، صريح وواضح، منتج ولطيف ومهذب، وعندما يتحقق هذا باحترام، تنتفي كل أشكال الاغتصاب، ويكون الأداة الأولى لمكافحة الفساد.
ثورة جنسية، أيّ ثورة في الحب، تنهي الهروب من عالمنا العربي إلى العوالم الأخرى، وتنهي الأحلام المتخيلة في العقل العربي، وتنهي التفاسير الجائرة، تعيد للإنسان حريته الداخلية، لنفتح هذه البوابة المهمة جداً، ولنبدأ بتعليم الصغار ضمن برامج علمية، نشرح بها من سن ما قبل البلوغ غايات الجنس وأسباب وجوده واستمراره، أنَّ الحبَّ وبه يكون البناء والإعمار، والاشتغال لذات النفس وللآخر، وبه نظهر أن الطلب الشخصي محبب، شريطة أن يكون ضمن مظلة الآداب والأخلاق، فلا أحد يدعو للانفلات في كل شيء، ومن دونه سنبقى مجتمعات جائعة لكل شيء، ولا أقصد هنا جوع الطعام، إنما جوع الاشتهاء القادم من الجوع الجنسي، العالم ذهب بعيداً بعد أن قام بهذه الثورة من موغل القدم، وأخذ يطور الأفكار، والكنيسة العالمية تساند قوانينه، حتى وصل إلى قوانين زواج المثليين، الذي نُطلق عليه شذوذاً جنسياً، في مجتمعاتنا تحاربه القوانين بدءاً من القبلة البريئة بين طفلين، وفصلهما عن بعضهما في الأسرة الواحدة، وصولاً إلى كل ما نتخيله، يضعنا في مرتبة التأخر، فلا القائمون على العملية الدينية استطاعوا أن يجاهروا بما أوردته التعاليم الدينية حول هذه القضية، ولم يقوموا بالوقت ذاته بتطوير أدبياتها لمواكبة حالة الاتصال العالمي عبر وسائله التي لا قدرة لكائن من كان على منعها، من منا في عالمنا العربي لم تصله رسائل جنسية، ولم يشاهد أفلاماً إباحية، ولم يمارس العادة السرية، ولم يتخيل بها فعلاً جنسياً كاملاً، ولم يسعَ وراء الجنس؟ لنعترف أننا نحيا الخطيئة بكامل أبعادها، وهي التي تعكس علينا صورة التخلف، كيف بنا لا نتجه سريعاً إلى إصلاح هذه الخطيئة بفرض نظم تعليمية حديثه وجريئة، وأن يحمل المتدينون مع التربويين قيمة وقوة طرحها مدعومة بقرار سياسي ملزم، على الرغم من صعوبة العملية ؟ فمَن مِن أولئك الذين يمارسون كل خفايا الجنس في أعماقهم، مناهضون للتطور والتطوير، أولئك المدعون في صنوف الحياة المريدون لمقامات التخلف والجهل، وإننا نفتح بوابة حول هذا العنوان المثير للجدل، نحتمل منه المأساة والملهاة، وسنبقى نتابع فيه، لأن الحياة في جلها مشهد جنسي، نرى مظهره، ولا نرى جوهره، فالدخول بأي شيء، وعلى أي شيء، والخروج هو قمة من قمم الجنس، العالم جميعه يمارس الجنس، ويشتهي منه، إلا أن الفارق يكمن في المعرفة العلمية والعملية وأدبيات الاتصال والتواصل مع أسباب وجوده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن