قضايا وآراء

بايدن والتحديات الداخلية والخارجية

| الدكتور قحطان السيوفي

الرئيس الأميركي السادس والأربعون جو بايدن في عمر 78 عاماً، أكبر الرؤساء الأميركيين سناً، تعرضت عائلته لحادث سيارة أدى إلى مقتل زوجته وابنته، تزوج لمرة ثانية عام 1977، وكان قد انتخب لعضوية مجلس الشيوخ في عام 1972، واستمر في المجلس 38 عاماً وسجل مسيرة مهنية متميزة كرئيس للجنة العلاقات الخارجية.
حاول بايدن الترشح لمنصب الرئاسة مرتين في عامي 1981 و2003 وفشل ثم شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة لثماني سنوات.
بايدن سياسي مُخضرم، يهتم بالجوانب البراغماتية ويفضلها على الأطروحات الإيديولوجية سبيلاً للتسوية والوصول إلى إبرام الصفقات السياسية، وهو يواجه تحديات لا سابق لها منذ عهد الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت بعد حقبة الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي، وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية، وهناك تساؤلات تثار حول قدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية؟
في خطاب تنصيبه، ذكر بايدن إلحاق الهزيمة بنزعة تفوق العرق الأبيض والإرهاب الداخلي ورفع سقف الطموحات لأول مئة يوم له في البيت الأبيض، في وقت تواجه فيه البلاد انقساماً وطنياً وأزمة صحية أضعفت الاقتصاد الأميركي، وعموما يتمتع الرؤساء الجدد بفترة «شهر عسل» تساعدهم في الكونغرس كنافذة قصيرة للاستفادة من رأسمالهم السياسي.
يقول جلين هاتشينز، وهو مسؤول سابق في إدارة كلينتون: «كل إدارة تحصل على 18 شهراً من صنع السياسات كل أربعة أعوام»، تحسنت فرص بايدن في الحصول على هذه الفترة بفضل انتزاع الديمقراطيين مقعدين في مجلس الشيوخ.
بايدن يعمل على تحقيق أهدافه بأوامر تنفيذية، لكنها عرضة للإلغاء من قبل المحاكم الفيدرالية وصولاً إلى المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة، تتمثل الأولوية لإدارة بايدن في إقناع الكونغرس بالمصادقة على خطة بقيمة 1.9 تريليون دولار لمكافحة «كورونا»، وتوزيع 100 مليون في المئة يوم الأولى من ولايته، وتقديم 1400 دولار أميركي كمدفوعات مباشرة للأميركيين.
وقّع بايدن 15 أمراً تنفيذياً، منها إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ، وإلغاء حظر دخول المهاجرين من عدة دول، ومضاعفة الرسوم التي تدفعها الشركات الأميركية على الأرباح الأجنبية، ويعمل على إرسال مشاريع قوانين إلى الكونغرس تسعى إلى فرض تدقيق أكثر صرامة لخلفيات مشتري الأسلحة، وتوفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر جاؤوا إلى أميركا بشكل غير قانوني، وهم أطفال.
بايدين سيواجه تحديات داخلية صعبة كبيرة في مناخ سياسي سام ورثها من ترامب وأخطرها مؤشرات لتزايد ظاهرة العنصرية البيضاء التعددية والتنوع حيث ينادي بها بايدن، ترسمها ملامح وزير دفاعه داكن البشرة، ونائبته التي هي أقل سُمرة، ثم وزيرة من أهل البلاد الأصليين الهنود الحمر، كما أن العديد من فريق عمله من أصول يهودية منهم وزير الخارجية ووزيرة الخزانة.
المراقبون يرون أنه قد لا يمهل القدر الرئيس بايدن بحكم تقدم العمر، وبهذا تكون نائبته السمراء كامالا هاريس هي التي قد تكمل مدته الرئاسية، محللون يعتبرون بايدن وتنصيبه نوعاً من بداية هزيمة للشعبويّة وبداية إعادة اعتبار لما يسمى السياسات الديمقراطيّة الوسط.
في السياسة الخارجية سيحاول ترميم المصداقية الأميركية عبر العالم، أوروبا وصفت حقبة بايدن بالفجر الجديد، وموسكو أبدت رغبتها في تحسين العلاقات مع واشنطن، وطهران تبدي مرونة.
سيلغي أكثر سياسات ترامب إثارة للجدل، كما يريد إعادة بناء التحالفات التقليدية للولايات المتحدة التي توترت خلال الأعوام الأربعة الماضية في الشرق الأوسط، يواجه بايدن مهمة ترتيب علاقات أميركا بإيران بعد العودة إلى الاتفاق النووي إذ أعلن نيته إعادة الدخول في الاتفاق المبرم عام 2015.
أنتوني بلينكين وزير الخارجية، أخبر مجلس الشيوخ أنه يرغب في اتفاق نووي أطول وأكثر رسوخاً مع الحكومة الإيرانية، بايدن عيّن روبرت مالي مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى إيران وكان مدير شؤون الشرق الأوسط السابق في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس أوباما، مالي يميل إلى الاعتقاد بأن التعامل المباشر مع البلدان هو السبيل الوحيدة.
في مقابلة أجريت في عام 2019 مع موقع «إنترسبت» الإخباري الأميركي، قال مالي إن الشروط الـ12 التي أقرها مايك بومبيو وزير خارجية ترامب لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، لا يمكن لأي زعيم إيراني أن يقبل بها أبداً لأن إيران لا تستجيب للضغوط الدولية وهذا أمر مبدأي للحوار لدى إيران، سيحاول بايدن الحد من التمدد التجاري والاقتصادي والتقني الصيني في الأسواق.
وبخصوص القضية الفلسطينية، على غرار الحرس الديمقراطي القديم، يعد بايدن داعماً، ومدافعاً عن إسرائيل، لكن من غير المرجح أن يتبنى سياسات ترامب تجاه الفلسطينيين، المراقبون يرون أنه قد يدفع باتجاه القيام بدور ما لحماية الحقوق الفلسطينية.
يفيد معظم المحللين أن بايدن سيكون له موقف مختلف في اليمن، مع محاولة لإعادة النظر في إدراج الحوثيين على قوائم المنظمات الإرهابية.
يرى مختصون أميركيون أن الواقع سيتطلب من بايدين إيجاد حلول سريعة في أفغانستان، وفي الموضوع الإيراني، والموضوع السوري، سيجد نفسه مجبراً على تجنب السياسة الأحادية التي اتبعها ترامب وسيشجع مشاركة أوروبية وروسية في معالجة ملفي إيران وسورية والاعتراف بالأمر الواقع الذي فقدت فيه واشنطن جزءاً من قدرتها على فرض ما تريد.
ومن بين المبادرات الرئيسة لإدارة بايدن، الاتفاق على حزمة مناخية بقيمة تريليوني دولار لجعل الولايات المتحدة خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، وخطة لإنفاق 700 مليار دولار لتعزيز التصنيع والبحث والتطوير، وجعل قانون الرعاية الصحية لإدارة أوباما يتضمن خياراً عاماً.
إحصاءات العمل الأميركي -كي تنمو- يريد بايدن زيادة الحد الأدنى الوطني للأجور، ورفع الضرائب على الشركات، والبدء بإعادة توازن القوى بين العمل ورأس المال، بالإضافة إلى خطة انتعاش تتضمن تريليونات الدولارات للإنفاق على البنية التحتية والطاقة الخضراء، تُمول جزئياً بضرائب على الشركات والأثرياء.
لن يتمكن بايدن من توحيد الشعب الأميركي المُنقسم بسبب العنصرية والعولمة بسبب الهجرة الكثيفة لجماعات ذات طبيعة ثقافية مغايرة، وتقديمها لعمل رخيص، وإغراق السوق الأميركية بالسلع الرخيصة.
إن الهدف الإستراتيجي لبايدن هو عودة الولايات المتحدة إلى قيادة العالم، وتكلفة هذه القيادة سوف تعمق من الفجوة بين جانبي الانقسام الأميركي، وتجعل تحقيق الوحدة أكثر صعوبة.
لم يعد النظام العالمي الأحادي الذي حاولت واشنطن فرضه قابلاً للحياة أو العمل أمام واقع فرض تحالفات إقليمية ودولية لمحور المقاومة مع روسيا والصين ودورهما المتزايد على المستوى الإقليمي والدولي.
تُرى إلى أين يقود بايدن أميركا في ظل التحديات الداخلية والخارجية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن