من دفتر الوطن

حقل ألغام!!

| عصام داري

أشعر أنني وسط حقل ألغام متعدد الجهات والألوان والأهداف، والمشكلة أن من يزرع تلك الألغام في طريقي هم من الأصدقاء والأقارب والمحبين جداً، فما العمل مع هذه المشكلة التي أرى أنها مستعصية؟
حقل الألغام هذا هو مجموعة أمنيات وطلبات، بل أوامر أحياناً، بحسن نية، هدفها إبعادي عن المشاكل عن طريق تقصير لساني وتطويل بالي.
وهناك من الأصدقاء من يعمل على مشاركتي في كتابة زاوية أو نص أو بوست ويفترض أنه وصي علي و«يمون علي»! حيث يتدخل في صنوف الكتابة والمواضيع التي علي الكتابة بها أو تلك التي يجب أن أبتعد عنها لأنها لا تنسجم مع أفكاره.
فأول الناصحين يقول لي:إياك أن تكتب عن الساسة والسياسة فتجد نفسك فوراً في سوق النخاسة، ولا تقرب الاقتصاد فيصدمك الإبعاد، ولا تحك عن الغلاء فيصيبك البلاء، ولا تلامس الأسعار فتحرقك النار ويقفز الدولار.
ثم يا رعاك اللـه لا تتصدى للفساد فتصبح أشقى العباد في البلاد، ولا تهاجر ففي الخارج الحرق والخناجر.
الكثير من الأصدقاء يوجهون لي اللوم إذا كتبت عن الأمل والتفاؤل، وعندما أذعن وأكتب عن واقع الحال وتبدد المال والآمال يهاجمني أصدقاء آخرون ويقولون لي إنهم يستمدون الأمل والتفاؤل مني فلماذا هذا التشاؤم واليأس وهل في رأسك وقع الفأس؟
صدق من قال إن الصحافة مهنة المتاعب فأنت لا ترضي المشتري ولا البائع ولا طبقة الأثرياء ولا جحافل الفقراء وفي لحظة تجد نفسك في العراء بلا غطاء ولا رداء، وتمرض في صحرائك ولا تجد الدواء الذي ضرب موعداً مع الغلاء وسبق اللحوم والأسماك والكافيار في ارتفاع الأسعار في وضح النهار، والمراقب في سبات عميق يفتح الأبواب لكل تجار الأزمة ويا حباب يا أبو الشباب!
احترت في أمري فكيف لي أن أنجو من حقل الألغام، وكيف أستطيع تأمين الخبز والإيدام للسيدة المدام، وما اعتدت أكل الحرام، ولن أتقن إلا مهنة الكتابة، وأنا من الناس الغلابة!
لو أني لعبت كرة القدم منذ صغري، لكنت قبرت الفقر وهجرت الحصير إلى السجاد الوثير، وتركت القبو الحقير إلى قصور ومزارع، وما كنت من أجل رغيف الخبز أصارع، وإذا لم أصبح مليارديراً مثل كريستانو رونالدو، فأكون غنياً على أقل تقدير، وفصلت قمصاني من الأغباني والحرير.
وأنا أكتب هذا الكلام المسجوع تذكرت أغنية لفيروز – ودائماً أستنجد بالرحابنة وفيروز وبأي أغنية تفي بالغرض – الأغنية من مسرحية صح النوم التي أشرت إليها الأسبوع الماضي وعرضت في دمشق يقول مطلع الأغنية:
(مين ما كان بيتمرجل علينا
مين ما كان بيتنمرد علينا
بدنا نعرف شو سوينا
لا مرة اشتكينا ولا مرة احتجينا ولا مرة احتدينا
ولوه ليش ليش هالقسوة علينا).
طبعاً، وكما أسلفت، كل الذين يتمرجلون علينا من الأصدقاء والأقارب والمحبين، ويا ويلتي لو كانوا من غير هذه النخبة فماذا سيصير إليه حالنا؟ أكيد لم تكونوا أمام هذه الزاوية الخارجة على القوانين.. والسلام حتى على الأحلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن