يسود الرأي عند معظم أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وخاصة المتضررين من أوساط الجمهوريين المتشددين بأن السبب الذي جعل ترامب يعجز عن الفوز بالانتخابات يعود للعبة الحزب الديمقراطي بترشيح امرأة لمنصب نائب الرئيس فقد اختيرت من الأميركيين غير البيض لأنها تجمع بين ذوي الأصول الإفريقية والأميركية اللاتينية وتبين مما نشرته الصحف الأميركية أن نسبة من صوت للرئيس الأميركي جو بايدين من ذوي الأصول الإفريقية 89 بالمئة وأن ما فاز به ترامب من أصوات البيض هو 57 بالمئة مقابل 42 بالمئة لبايدين، ولذلك أجمع المختصون بالانتخابات الأميركية على أن بايدين، ما كان لينتخب رئيساً لو لم يحظ بأصوات النساء وذوي الأصل غير الأبيض وبقليل من الحظ، وهو مدين لما شكلته نائبته كامالا هاريس من تشجيع لانتخابه بين أوساط واسعة حجب معظمها أصواته عن المرشح الجمهوري ترامب لكي تصبح أول امرأة نائباً للرئيس.
ولذلك أصبحت هذه النتيجة بما تحمله من خلفية غير مسبوقة تولد شعوراً بالنقمة والغضب لدى الفئات العنصرية في أوساط الجمهور المتشدد الذي ظهر قادته في مشهد اقتحام مبنى الكونغرس في الشهر الماضي لعرقلة استلام الرئيس بايدين ونائب الرئيس مهماتهما الشرعية.
وسوف يكون من الطبيعي أن يعمل ترامب بسياساته الخرقاء والعنصرية على استغلال هذه النقطة بالذات لاستثمار غضب هذه الفئات لأهداف كثيرة يبتز بواسطتها الحزب الجمهوري لأن صدور الحكم بأغلبية لعزله سيحتاج لأصوات أعضائه في الكونغرس ما سيشكل ضربة شديدة لشعبية الحزب الجمهوري ومستقبله في التنافس على الرئاسة.
ويزداد الاعتقاد لدى الأوساط المختصة بالأمن في الولايات المتحدة، أن محاكمة ترامب في الكونغرس لا يمكن أن تجري بهدف عزله من دون اضطرابات يقوم بها أنصاره وقد تصل إلى درجة تنفيذ جرائم جنائية، فقد اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» عدداً من الأفراد من أنصاره واتهمهم بتهديد شخصيات سياسية من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لأنهم صوتوا لمصلحة تقديمه للمحاكمة، وبدأت حملة تهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنيت ضد نائب ترامب مايكيل بينيس ووصفته هذه الحملة بالخائن وبيهودا الاسخريوطي الذي سلم المسيح، وكانت إحدى مجموعات أنصار ترامب قد دعت إلى شنق بينيس أثناء اقتحام مبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني الماضي، ودعا آخرون من أنصار ترامب في 18 الشهر الماضي إلى التخلص من نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي التي وافقت الأغلبية فيه على محاكمة ترامب بمسؤولية تفجير عملية تمرد على الدستور.
في 26 الشهر الماضي وبعد بداية عمل إدارة بايدين الجديدة ظهرت رسالة في موقع «تيليغرام» تضع تهديداً صريحاً بالشنق لخمسة أسماء من أعضاء الحزب الجمهوري ممن صوتوا لمصلحة قرار محاكمة ترامب، وهددت رسائل أخرى كل عضو كونغرس في الحزب الجمهوري لا يقف إلى جانب الدفاع عن ترامب بعدم التجديد له في انتخابات الكونغرس المقررة في عام 2022.
يلاحظ المحللون في الولايات المتحدة، أن استخدام لغة التهديد «بالشنق» تدل تماماً على الطبيعة العنصرية لهذه المجموعات لأن منظمة «كو كلوكس كلان» العنصرية التاريخية التي أسستها مجموعات من الأميركيين البيض لتصفية الأميركيين من أصل إفريقي، كانت تستخدم الشنق مع ضحاياها بدوافع عنصرية، وعودة هذه اللغة والتهديد بها علناً، يدلان على أن إدارة بايدين ستواجه تحديات غير مسبوقة بهذا القدر من التهديدات العلنية، وقد تخلق اضطرابات بعد يوم البدء بمحاكمة ترامب المقررة في التاسع من شباط الجاري.
في الوقت نفسه لا أحد يشك بأن ترامب سيجد أن من مصلحته في أثناء المحاكمة انتشار اضطرابات يعدها أنصاره بأشكال وتهديدات متنوعة ضد إدارة بايدين وابتزازها بواسطة هذه الاضطرابات التي يحتمل تحولها إلى دموية ما دامت لغة الشنق والتصفيات أصبحت متداولة للدفاع عن ترامب.
لقد اتضح أن خمسة من المحامين الذين وافقوا على الدفاع عن ترامب في جلسة التاسع من شباط الجاري، انسحبوا من هذه المهمة لأن ترامب طلب منهم استخدام عبارة أن أعضاء الحزب الديمقراطي وبايدين سرقوا منه «الفوز» الذي حققه في الانتخابات، فرفضوا هذه الطريقة وقرروا عدم المشاركة في الدفاع عنه، وبقي اثنان من المحامين على استعداد لقبول ما يريده ترامب أحدهما ديفيد شوين الذي يعد أشهر محامٍ لمجموعات الجريمة المنظمة «المافيا» الإسرائيلية والروسية والإيطالية والأميركية وعلى استعداد لاستخدام كل مصطلحات ترامب، فشركة المحاماة التي يملكها غالباً ما تتولى الدفاع أيضاً عن كبار تجار المخدرات وتربطه بترامب علاقات جعلته يصدر عفواً عن أحد وكلائه.
في ظل هذا المشهد المقبل يبدو أن الجبهة الداخلية الأميركية ستواجه أياما صعبة سواء حاكمت ترامب أم لم تحاكمه.