الإرهاب بين قوتين
د. نبيل طعمة
قوة القوة وقوة الضعف، حيث حاول الكثيرون من جهابذة الفكر العربي والعالمي وضع تعريفٍ له، واجتهدوا وما زالوا من دون وعي، أو بخبث الوعي، من باب أن المعرّف لا يُعرّف، وتاه الجميع، فيما ينشد الوصول إليه، الإسلامي استثنى منه الجهاد، والعلماني وصم الجهاد به، والصهيوني الحاكم الحقيقي للأوروأميركي استفاد من الحالتين، وضرب شعوب الأول والثالث معاً، باعتباره يجسد بين يديه فلسفة العصا والجزرة، معمماً وجوده هنا، ومختبئاً خلفه هناك، من دون إدراك من المجتمعات، أن كوكبنا الحيّ، غدا في حالة نقاش دائمة من قبل ساكنيه، والذي يشكل له مؤتمراً في حدِّ ذاته، فما الحاجة إليه، ما دام يمتلك ازدواجية الخير والشرّ؟ والنقاش حول عنواننا، يتناوله القاصي والداني، الفكر الإيجابي المؤمن بالحوار الخلّاق أمام ظلال الخوف ومظلّاته، التي تبقيه خلف الأقنعة، يضرب المكان والزمان في آن، ما الغاية من تعويمه؟ ما العلاقة بين المتضررين والداعمين؟ أليست معادلةً مركبةً صعبةً وغير مقنعة؟ حتى إننا نجدها منسوجة بدرجة دقيقة، المنطق لا يبرر، ولا يحتاج لإثبات الإرهاب، ومن خلال أفعال الترهيب واستعداء الخير، يحتاج أثناء مسيره إلى تبرير الحكاية التاريخية، التي قام عليها البناء الروحي، الذي أشار إلى الإرهاب، في الكتاب المكنون: «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» وأيضاً في الكتاب المقدس «تث 1: 29 فقلت لكم لا ترهبوا ولا تخافوا منهم» كذلك «أي 15: 24 يرهبه الضر والضيق. يتجبران عليه كملكٍ مستعدٍّ للوغى» «أي 18: 11: تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.» لتظهر معها ثنائية الضمير، بين وجهتي الطريق، التي يتمتع بها عالم الشمال برمته، ومتوالياته، تتجسد بشكل خاص في الغرب الأوروأميركي، يتجلى حضوره حينما يطمح أيّ شعبٍ أو دولة في عالم الجنوب لبناء دولة على أسس تقنية علمية، يضع من خلالها قدماً على طريق مواكبة أحداثه، أو يطرح شعارات التحديث والتطوير، أو حتى يسعى لتطوير خطاباته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحتى الدينية، حيث تعتبر مباشرة جريمة، فيبدأ الكيل بمكيالين، وتبدأ معها ازدواجية المعايير، فإن تقوم بالسعي للتقدم والتطور وامتلاك نواصي التكنولوجيا، فهذا غير مسموح، أما إن حدث أن وصلت إلى نقطة ما في التصنيع أو الإبداع، فإن ثائرتهم تتجلى مباشرة، حيث يتم تجييش قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وليبدأا الحصار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والديني ومن ثم ضرب البعض بالكلّ إلى أن يحدث ضياعٌ وفقدانٌ للذاكرة.
قوة تهدف إلى إدخال الرعب والترويع والابتزاز والضغط بشتى الوسائل على الإنسان الواقعي، فرداً أو جماعةً أو دولةً، تستخدم القوانين الجائرة، وتضغط بها في كل المحاور، تترافق بأعمال إجرامية، تستخدم كلّ صنوف الأسلحة، بدءاً من النفسية وصولاً للعسكرية، وقوة تتحمل المعاناة الإنسانية رغم إيمانها المطلق بالروح، تستند إلى منطق المقدس، وتكون في الوقت ذاته المادة والأتون، كما هي الحال في العالم الثالث برمته، وبشكل خاص الشرق الأوسط، الذي ما فتئ يدعو لمؤتمر ولعقود طويلة، من أجل تحديد الجاني والمجني عليه، حيث كان يواجه برفض قاطع، حادثة واحدة لمجلة مهملة، تتعرض لعملية إرهابية، تثور ثائرتهم، ويجتمع قادته، يسيرون في باريس على الأقدام، يشبكون أياديهم ضمن مهزلةٍ ولا أسخف من ذلك، ثمَّ تقوم الولايات المتحدة بالدعوة للبحث عن سبل إنهائه ومنع انتشاره, ضمن منتدى مقاومة أو مناهضة الإرهاب، كيف يحدث هذا والإرهاب يضرب في سورية ومصر وليبيا والعراق واليمن وتونس ولبنان والبحرين، ولا من رفّة جفنٍ أو طرفة عين؟! وصحيح أن هناك تحالفاً ضد وليد من إنتاجهم، مشكوك بأمر تحالفهم عليه، والمؤشرات جميعها تحرض الأسئلة وتراكمها عن الأسلوب الذي يتبعه الغرب، وبشكل خاص أميركا في تعاطيها مع القضايا وتوجيهنا إليها، وحينما تحدث الأسئلة العاقلة، لا نحصل على إجابات، إنما مناورات وألاعيب وأكاذيب، غدت واضحة للإنسان العربي، بشكل خاص، ولإنسان عالم الجنوب برمّته، كيف بالغرب يصادق الأفرقاء من الدول العربية، والكيان الصهيوني كيف يصادق الإرهاب، ويصنعه ويقاتله، كيف يدعمه هنا ويمنعه هناك؟! أليست ثنائيات وازدواجيات تكيل بمكيالين؟ ألا يجب أن يعي العرب، ما الذي يجري معهم والمخطط الرهيب الخفي العلني الذي يحاك لهم؟
لماذا يرهب بعضنا بعضاً، أشقاء أصدقاء، حلفاء فرقاء، طوائف مذاهب أديان، أوَلمْ نبلغ الرشد بعد لنعي أبعاد ما أحيك لنا تاريخياً؟ أوَلمْ نفهم أننا وصلنا حافة الهاوية؟ كيف بنا حتى اللحظة لم ندرك هذه الثنائية التي تحاول اغتيال جميعنا؟ وعلى الرغم من أن البعض امتلكها، لكن كعادة أبناء جلدتنا استسلم لعالم الشمال، الذي حوله إلى أداة بيده، فكان خيره للغرب، وشرّه لشقيقه في العروبة والإسلام، وبالتالي ظهرت هذه الازدواجية الثنائية، التي عرفت منذ نشأتها كمحرك أساسي للعبة الكبرى، التي جعلتها صراعاً، يؤججونه، ينتصرون دائماً به، لتبقى بيدهم سيادة العالم أجمع.
من المعني بتعريف الإرهاب؟ ومن ذاك الذي يستطيع انتزاع الكراهية من قلوب وعقول البشرية؟ طُرح الكثير من الأفكار، ومازال مستمراً حول إيجاد لغة تعريف الإرهاب، إلا أن الفهم الدقيق، لم يصل حتى اللحظة إلى إدراك واستيعاب معادلة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة المهيمنة على الخلق، والسبب خضوعه الدائم بين منظومتي الأقوى في امتلاك القوى، القوى المتمسكة بالضعف والروحانيات؛ فمتى سنعي، وإن كنا وعينا، فكيف لنا أن نتصرف تجاه هذه المواقف، وهل نقدر، وأعتقد أنَّ علينا أن نقدر؟