تنمَّرَ يتنَمَّرُ تنمُّراً فهو متنمِّر.
تمهيدٌ لغويٌّ بسيط، استخدمتُ فيهِ الأسلحة الخفيفة والقنابل المضيئة التقليدية، باعتبار أن المعركة التي ستُخاض سهلة، معلومةَ النتائج والمسار، إذ إن صفةَ التنَمّر وبشكلٍ بديهي، تبدو موجودة في اللغةِ العربية منذ أن سمّت هذه اللغة ذاك الحيوان المخطّط، المفترِس والسريع بـ«النمِر»، ليسَ هذا فحسب، بل إن النمر عملياً ألهمَ كثراً بوصفهِ والتغني بشجاعتهِ، وصولاً إلى مدحِ الأشخاص الذين يمتلكونَ الشجاعة، أو السرعة وتحديداً في الألعاب القتالية لقبَ النمر، حتى في الزجل الشعبي هناك مساحة لشجاعة النمر، إذ يقول أحدهم في توصيفِ نفسه:
«شاعر وثبة النمر بطموحو.. وبعينو غضبة اللبوة الجريحة».
مع دخولِنا عصر السرعة وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكتفِ الضياع الثقافي الذي نعيشه بنسجِ بطولاتٍ وهمية يتم نشرها عن هذهِ الشخصية أو تلك، ولا حتى بالأقوال المنسوبة لهذا أو ذاك، بل إن الأمر تمّددَ ليصلَ إلى المصطلحات، فباتت حرية الرأي عندَ البعض هي بشتم الآخر لا الردَ على أفكارهِ، محاربة الفساد هي بتوجيهِ الاتهامات بالشخصنة، لدرجةٍ ظَنّ فيها «فقاعات قادة الرأي» على مواقعِ التواصل الاجتماعي بأنهم قادرونَ مثلاً على ممارسةِ فعلَ التنمر بحق الدولة، من خلال تقزيم كل ما يمكن تقزيمهُ عبرَ تعويم السلبيات والتغاضي عن الإيجابيات.
مبدئياً يبدو حدث التنمّر بحاجةٍ إلى أمرين، الأول هو شخص يمتلك قوة النمر وفراستهِ، والأهم أخلاقياته في القتال، فالنمر مثلاً لا يبدأ بأكل الضحية إلا بعدَ التأكدِ من موتها، بالوقت ذاته فإن هذا الفعل بحاجةٍ إلى طريدةٍ تستسلم للنمر لأنها لا تملك القدرة على مجاراتهِ لا بالسرعة ولا بالانقضاض، فأينَ تلكَ الأمعات المتضخمة من توصيف كهذا؟!
كذلك الأمر يبدو غريباً أن يتحولَ كل حدثٍ من هذا النوع إلى صفةِ التنمّر بمنحاها السلبي، عندَ من يقدمون أنفسهم كمشاهيرَ في عالم الفن والرياضة و«الثقافة».
قبل وسائل التواصل الاجتماعي كان يتم استخدام المصطلح لتوصيف الحالات التي يقوم بها البعض بالإساءة لذوي الاحتياجات الخاصة، كانت الفكرة تحديداً أن الضحية في هذهِ الحالة ستلقى الدعم من كل من يمتلك ذرةَ أخلاق، أما اليوم فإن هذا المصطلح تحوّل إلى وسيلةٍ لهروب البعض من سطحيتهِ وفشلهِ وزلاَّتهِ، فردّات الفعل على زلَّات كهذه ليست تنمراً، هي ببساطةٍ توصيف لواقعكم ولشخصياتكم الاستعراضية، ومحاولاتكم للبسِ ثوب الضحية لن تفيد.
في الخلاصة: علينا أن نميّز بين التنمر على تلكَ الشخصيات أو السخرية منها، فالسخرية فعلياً تفترض وجودَ من قدم نفسه كمدعاة للسخرية، التنمّر يفترض وجود من لا حولَ له ولا قوة، ببساطةٍ عليكم أن تختاروا إن كان ما تتعرضون لهُ تنمراً فتذكّروا بأنكم في هذه الحالة لا حولَ لكم ولا قوة، بل تعطون لمن تسمونه الجاني لقب «النمر» لماذا لا تسمونه استضباع مثلاً! أما في حالة السخرية فعليكم مراجعةَ أنفسكم وتذكّروا بأننا بتنا في عالمٍ مفتوح لا تستهينوا بالزلاتِ معه، حتى لا ينطبق عليكم قول «الثعالبي»:
والدهرُ من جفائِهِ يلبسُ لي جلدَ النمرِ.