لا يتوقف إعلام البترودولار وكتبته في هذه الأيام عن تسطير الفزلكة والسفسطة، والخواء الفكري والسياسي، ومحاولة ضرب الهمم وتثبيطها، وتدمير الروح المعنوية للسوريين، واختراع وابتكار العناوين المثيرة، التي يريدون من خلالها تقديم البرهان تلو الآخر لمعلميهم الديمقراطيين جداً على أنهم أهلٌ للدولارات التي تنفق على ثرثرتهم، وكلامهم الخاوي من أي معنى، والمتناقض ذاتياً وموضوعياً مع الأحداث والأدلة دون أن يفهموا بعد سنوات عشر من الحرب الفاشية أننا نستطيع أن نجيبهم ببساطة: من نحن؟ ولكن أتحداهم أن يجيبوا على سؤالنا: من هم؟ وماذا يعملون؟ وإلى أي مدرسة فكرية أو سياسية أو صحفية ينتسبون؟
مناسبة هذا الكلام ما نشره أحد الكتبة في صحيفة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 27 كانون الثاني الماضي تحت عنوان: «سوريو النظام: محتارون… من نحن؟»، والحقيقة أن قراءة هذا المقال توحي بأن الكاتب البترودولاري يتحدث لنا عن أفكار وتأملات لم يبق منها إلا ثفالتها بعد سنوات الحرب الفاشية على سورية، ولم تعد تنطلي إلا على أطفال صغار لم يقرؤوا وثائق الحرب ولا ما قاله وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم عن «إنفاق أكثر من 137 مليار دولار على تدمير سورية، ومحاولة إسقاطها»، ولا ما كتبته الصحف الغربية والتركية والأميركية، عن مخطط إسقاط الدولة السورية وخططه ومراحله، وكأن هذا الكاتب لم يسمع بالحصار الاقتصادي الفاشي على الشعب السوري، ولا بـعشرات آلاف القتلة والمجرمين الذين أُتي بهم عبر غرف العمليات «الموك والموم»، ولا بحصار حلب ودير الزور والحسكة الآن، ولا بقطع المياه عن ستة ملايين سوري في دمشق بأيدي دعاة الحرية والديمقراطية المدعومين غربياً، ولا بتدمير وسرقة الآثار والمتاحف السورية، ولا بقصف الجامعات، وتحويل المدارس إلى معسكرات لتدريب الإرهابيين، ولا برحلات نقل السلاح وشرائه الذي قامت به دواوين الأمراء الذين يلعق حذاءهم كل صباح ليرتزق من خزائنهم، ولا بقتل رجال الدين، وعلى رأسهم العلامة محمد سعيد البوطي لمجرد أنه وقف ضد مخططاتهم الشيطانية، وعشق بلده وشعبه، ولا بقصف ما يسمى قوات التحالف لأهم محطة طاقة كهربائية تزود حلب وسكانها بالكهرباء، وهل سمع بنهب هذه المحطة بأيدي ثورجيي صحيفة «الشرق الأوسط»، أم هل سمع بتفكيك محطة زيزون للكهرباء، وتقطيع الطرق وتدمير البنى التحتية التي بناها السوريون على مدى عقود، وهل سمع بـشي رأس طيار سوري، وتقطيع جثث الجنود السوريين، وهل سمع هذا الكاتب الجهبذ بـإلقاء مواطنين سوريين في الأفران في ضاحية عدرا العمالية، وهل سمع بخطابات وكلام قناتي «وصال» و«صفا» الديمقراطيتين اللتين كان يمولهما أرباب نعمته، ودولاراتهم لبث أفكار التنوير والنهضة على الشعب السوري، ويقنعه بطروحات «جان جاك العرعور» الوهابي القذر، والمحرض الذي كان ينهل معه من الوعاء نفسه البترودولاري، بغض النظر عن محاولات إظهار نفسك أنك تنويري، وهو وهابي، والحقيقة أنكما تلعقان معاً حذاء الممول ورب العمل نفسه؟
إذا أردت أن تعرف من نحن، فعليك أن تسأل جنودنا الأبطال، وجيشنا الأسطوري، عليك أن تسأل مطار كويرس وسجن حلب، ومطار دير الزور، ومعركة الكليات في حلب، وبادية تدمر، وجبال اللاذقية، وسراقب، وخان شيخون، وغوطة دمشق، وعليك أن تسأل نفسك كيف صمد هذا الشعب البطل في دمشق وحلب ودير الزور وحمص وحماة، والقرى والمدن السورية كلها، أمام أعتى وأقذر حرب تُشن على شعب ودولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية باعتراف الكثير من معلميك الغربيين.
نحن المنغرسون في هذه الأرض، المنتمون لتاريخها وثقافتها وتنوعها وأديانها ولغاتها، نحن المنتمون لكل تلة وجبل وبادية وزهرة ونهر، وجامعة ومدرسة وجامع وكنيسة، ونحن المنتمون لشعرائنا وأدبائنا ومشايخنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، نحن المسلمون والمسيحيون، نحن قلب العروبة النابض، وقلب هذا المشرق المليء بالآمال والتطلع للمستقبل، والذي يواجه أعتى مشروع استيطاني صهيوني عنصري، وسنبقى نواجه، وحينما ننحو نحو السلام لسنا خجلين من ذلك كما يفعل أرباب نعمتك من تحت الطاولة منذ خمسين عاماً.
نحن أيها السائل: سوريون وعروبيون منفتحون، مجتمع متسامح، ولهذا ترى فيه هذا التنوع كله، نحن نؤمن أن العروبة وعاء ثقافي حضاري ساهم به كل من تفاعل مع ثقافة هذه المنطقة عبر آلاف السنين، علمانيون نؤمن أن العلمانية مسار، وليست عقيدة، وأن قوتنا بـدولتنا المركزية، وبجيشنا البطل، ونحن بعثيون وسوريون قوميون، شيوعيون وناصريون وو… نختلف بشدة، ونتفق، ولكن سقفنا إعادة بلدنا وتحريره وإخراج القتلة والمجرمين والإرهابيين كلهم، والاحتلالات التي دعمتها خزائن معلميك، ومن ترتزق في صحفهم.
نحن لا نخجل من القول إن لدينا أخطاء، ونكتب عن ذلك، ولدينا فاسدون، مثل الإرهابيين، وندرك أننا بعد حرب فاشية قاسية مهددة لوجودنا، نرتب الأولويات، ونواجه التحديات الصعبة، والتي هي كثيرة جداً، ولكننا لن نستسلم أبداً لأولئك القتلة بياقاتهم البيضاء، الذين يقهرهم كيف صمدت الدولة السورية، والشعب السوري، والجيش السوري، على الرغم من الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه، ولكنه الثمن الذي سيلاحقكم حتى آخر حياتكم، والذي سنعلمه وننقله لأجيالنا القادمة، لأننا قد نسامح من أجل بلدنا، وشعبنا، ولكن لن ننسى أبداً وسنضع صور شهدائنا وأبطالنا في صدر بيوتنا، ومدارسنا وجامعاتنا وكنائسنا وجوامعنا، لنعلم الأجيال القادمة أنه بفضل هؤلاء وبفضل جرحانا الأبطال، نحن هنا باقون متجذرون بأرضنا، على الرغم من جوعنا وقهرنا وحصارنا وبردنا وليالينا الصعبة، ومشاكلنا المعقدة ولكننا لن نطأطأ رؤوسنا إلا لله.
عندما تدرك كل هذا، وتقرأ عن كل هذا، وتعيش معنا هذه المشاعر، وتعرف أننا لن نتحول إلى هنود حمر جدد، ولن نجلس في الخيام كما حصل مع بعض السوريين البسطاء، فحولهم أسيادك إلى رهائن محتجزين، ومادة للاستغلال والابتزاز السياسي، ستعرف من نحن.
إن جوابنا عن سؤال من نحن؟ نستطيع أن نكتب عنه مجلدات، أما السؤال الأهم: من أنتم؟
هل أنت يساري وتكتب عند آل سعود؟ أم ليبرالي وتكتب عند آل ثاني؟ أم من أنت؟ وكيف يستوي التنظير عن الديمقراطية، والحقوق، والشعب في سورية، ولا يستوي التنظير عن الديمقراطية في الريتز كارلتون، وحقوق الإنسان في المملكة، والوهابية والعلاقة مع واشنطن والتطبيع السري مع كيان الاحتلال؟!
لماذا لا تقدم لنا مقارباتك عن كل ذلك؟ وأنا هنا لا يهمني شكل النظام السياسي في السعودية، ولا وضع حقوق الإنسان فيها، ولكن ما يشعرك بوضاعة هؤلاء الكتبة أنهم يكتبون ليرضوا مزاجات معلميهم ويقبضوا أجورهم دون هدف، ولا رسالة سوى الارتزاق، والسؤال: عندما تعود العلاقات السورية السعودية مثلاً إلى وضعها الطبيعي؟ عن ماذا ستكتب؟ أم إنك كاتب مرتزق، وهذه هي الصفة الأقرب لك، ولأمثالك.
إذا كان هدفكم هو السخرية، فاسخروا من أنفسكم، واخجلوا أمام شعب عظيم كالشعب السوري، وجيش بطل كالجيش العربي السوري، وقائد عظيم كالرئيس بشار الأسد.
نحن كل هذه القيم والإرث، ولهذا سنختار الرئيس بشار الأسد، أما أنتم فاختاروا للمرحلة القادمة عنواناً آخر هو: سيرة ذاتية لأيتام البترودولار.
اصمتوا فقط لأنكم أصبحتم مقرفين ودجالين، وترتبون الحروف والكلمات من أجل قبض المال من خزائن معلميكم.