قضايا وآراء

اتعظوا فلستم إلا مطايا موسمية

| أحمد ضيف الله

أثار فيلم وثائقي إيراني، حول حصار تنظيم داعش الإرهابي لأربيل، استياء قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي اعتبرته استهدافاً لرئيسه مسعود بارزاني، ما دفع حكومة إقليم كردستان إلى تسليم القنصل الإيراني في أربيل مذكرة احتجاج على ما ورد في الفيلم من «تشويه للحقائق».
وكالة فارس للأنباء عرضت في الـ22 كانون الثاني 2021 فيلماً وثائقياً بعنوان «توكل» من 9 دقائق، تناول دور قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني في فك حصار تنظيم داعش عن أربيل التي كانت على وشك السقوط، بينما كانت بغداد عاجزة عن تقديم أي عون بعد سقوط الموصل، ملقياً الضوء على اتصالات مسعود بارزاني الهاتفية بالفرنسيين والبريطانيين والأتراك والسعوديين من دون فائدة.
بارزاني، وبعد خمس محاولات فاشلة للاتصال بالسفارة الأميركية في بغداد، نصحته الأخيرة بالتفاوض مع داعش وتقديم تنازلات له، إلى أن يتم عرض الموضوع على الكونغرس لأخذ الموافقة على التدخل العسكري الذي سيستغرق وقتاً طويلاً، ما اعتبره بارزاني تهرباً من تقديم المساعدة، وهو ما اضطر به، وعلى مضض، إلى الاتصال بالإيرانيين، حيث بادره الحاج قاسم سليماني بالقول: إن العتاد والذخيرة ستصلكم على الفور، وإني سأكون غداً في أربيل، التي وصلها برفقة 50 شخصاً على متن حوامة عسكرية إيرانية، معيدين على الفور تنظيم صفوف البيشمركة في الخطوط الأمامية، واضعين الخطط العسكرية التي غيرت مسار المعركة خلال 48 ساعة بفك الحصار عن أربيل.
وعلى الرغم من أن نيجيرفان بارزاني اتهم في بيان له في الـ28 من كانون الثاني الماضي، أن وكالة فارس للأنباء «تشوه الحقائق وتستخف بالبيشمركة وبقيادة إقليم كردستان وتغيّب صمود شعب كردستان»، إلا أنه أقر وفق البيان أن «مساندات جمهورية إيران الإسلامية لشعب وأطراف إقليم كردستان في الأوقات العصيبة وفي بداية هجوم داعش على كردستان ومساعدتها للبيشمركة بالسلاح والعتاد وعدد من المستشارين بقيادة القائد قاسم سليماني، هي دائماً محل شكر وتقدير وقد أعلن إقليم كردستان هذا بوضوح في حينه».
وحتى لا تضيع الحقائق في زحمة التعبير عن أن الفيلم كان «عملاً متخماً بالمغالطات وبتشويه الحقائق والمنّ بهذه الصورة»، وبأننا «لن ننسى أيضاً مساعدة التحالف الدولي ضد داعش، وخاصة المساعدات الأميركية المؤثرة وطويلة الأمد»، حسب بيان نيجيرفان بارزاني.
إن الفيلم مازال على اليوتيوب، وهو لم يشر في أي مقطع منه إلى أن الإيرانيين يستخفون بالبيشمركة الكردية، أو أنهم قاتلوا بدلاً منهم في فك الحصار عن أربيل أو أي منطقة أخرى، حسب بيانات الاستنكار الكردية.
إن ما أزعج القيادات البارزانية في الفيلم هو إبراز خيبة أمل مسعود بارزاني، وهو في أصعب لحظات الشدة، ممن راهن على من اعتبرهم حلفاء وأصدقاء له، وهو ما تكرر لاحقاً في الـ18 تشرين الأول 2017 حينما استعادت القوات العراقية كركوك وكل الأراضي التي احتلتها البيشمركة، حينما كان الجيش العراقي مشغولاً في معاركه مع داعش، وأرجعتهم إلى حدود ما قبل 2003، دون أن يتمكن الأميركيون ولا غيرهم من فعل أي شيء.
وحتى لا تضيع الحقائق، فإن تنظيم داعش اجتاح محافظة الأنبار وسيطر على مدينة الفلوجة في الـ4 كانون الثاني 2014، مواصلاً زحفه في المحافظات الغربية محتلاً مدينة الموصل في الـ10 حزيران 2014، وكلها أحداث لم تبال بها الإدارة الأميركية، كما لم تحرك ساكناً.
إلا أنه في الـ7 آب 2014، اضطر الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إجازة «توجيه ضربات جوية محددة الأهداف» في إقليم كردستان، غير خاف عن أهدافها بـ«حماية الدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الأميركيين في أربيل، التي اقترب منها مسلحو التنظيم» داعش، مضيفاً في مؤتمر صحفي غداة توجيه الضربة: «لن أضع جدولاً زمنياً محدداً لإنهاء هذه العمليات لأنه كما سبق أن قلت منذ البداية، حيث هناك تهديد للطواقم والمنشآت الأميركية، فإن من واجبي ومسؤوليتي كقائد للقوات المسلحة أن أتأكد من حمايتها».
إن الظروف والأسباب التي دفعت أوباما لاستخدام القوة الجويّة هي لوقف تقدّم داعش نحو أربيل، حيث تقع القنصلية الأميركية، والمركز المشترك للعمليات الأميركية في المنطقة، ومراكز وجود عناصر حماية السفارة الأميركية في بغداد، ومصالح استثمارات شركات «شيفرون» و«اكسون» النفطية في إقليم كردستان والعراق، ولمنع أي تهديد لاستمرار الإمدادات النفطية إلى الخارج، إضافة إلى ضمان استمرار السيطرة على الحوض الاحتياطي للنفط العراقي، الذي يضم ما يقارب 200 مليار برميل، من بينها 45 مليار برميل من الاحتياطي النفطي في إقليم كردستان.
وكل ذلك بعيد كل البعد عما يُروج إليه من دعاوى دعم الأكراد وحماية الآيزيديين أو المسيحيين من «الإبادة الجماعية»، فليصحح الأكراد بيانات وقائعهم، ولتتعظ «قسد» من كل ذلك، فإنهم ليسوا أكثر من مطايا موسمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن