أغلقت إدارة الانتخابات للكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، في نهاية الأسبوع الماضي باب استلام قوائم المرشحين لهذه الانتخابات المقررة في 23 آذار المقبل وتبين أن عدد الأحزاب والقوائم الانتخابية المتنافسة أصبح 39 بزيادة عشر قوائم على الانتخابات السابقة التي جرت في الثاني من آذار الماضي وكانت الانتخابات المبكرة الثالثة بعد إخفاق دورتين انتخابيتين في تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بأغلبية 61 عضواً من 120 هو العدد الإجمالي للأعضاء.
هذا العدد من القوائم، التي رافقت الكيان الإسرائيلي مع أول انتخابات جرت منذ عام 1949، بدا يتزايد في الدورات الانتخابية المتعاقبة مع ما يمكن أن نطلق عليه الجيل الثاني من الإسرائيليين داخل فلسطين المحتلة، وهذا ما يدل على تفاقم حدة الانقسامات الطائفية والإتنية والفئوية في «المجتمع الصهيوني الاستيطاني» فهناك حزبان شكل كل منهما تاريخياً المصالح الخاصة بطائفته من اليهود المتدينين «الأشكناز» الغربيين ومن اليهود الشرقيين «السفارديم»، وهناك حزب لطائفة يهودية من «الأشكناز» المتدينين الذين يمثلون «الصهيونية الدينية» اليمينية المتشددة وهو اصطلاح يعده المتدينون من الطائفتين خروجاً عن الشريعة اليهودية وكفراً بها وهؤلاء جميعاً تقدر نسبة أعضائهم في البرلمان منذ عقود بين 17 و18 بالمئة، وعادة ما يفوز منهم ثلاثة أو أربعة أحزاب ويلعبون دوراً متمماً في الحكومات الائتلافية وقد يسقطون الحكومة من أجل مصالح طوائفهم.
هناك أيضا أحزاب تاريخية كبيرة ومتوسطة علمانية، تضم مؤيدين من اليهود الأشكناز العلمانيين ومن الشرقيين، مثل حزبا العمل والليكود، أكبر الأحزاب منذ عام 1949 وتشكل غالباً بين 40 إلى 50 بالمئة من عدد الأعضاء وهناك ما يقرب من 9 إلى 10 بالمئة من أعضاء كنيست يمثلهم الجمهور الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وقد تمكنوا في الدورتين السابقتين من لعب دور حاسم نسبياً في عرقلة تشكيل الحكومة الائتلافية حين وقفوا ضد تشكيل حكومة برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن فازوا بـ13 مقعداً.
في كل هذه الأحزاب الإسرائيلية العلمانية، لا يمكن القول بوجود يمين ووسط ويسار سياسي، لأن مجمل هذه الأحزاب كانت تتعرض قبيل وبعد أي انتخابات إلى انقسام يتحرك خلاله قادة من داخل هذه الأحزاب إلى حزب آخر، أو يتجمع عدد من قادة هذه الأحزاب، من الليكود أو العمل، لتشكيل حزب جديد، وهذا ما قام به جيدعون ساعار حين انشق عن الليكود في الشهر الماضي وأسس حزباً هو «أمل جديد» انتقل إليه قادة من الليكود وغيره من أحزاب يمينية تقليدية، وهو ما فعله ذاته أريئيل شارون عام 2005 حين انشق عن الليكود وشكل حزب «كاديما» الذي شارك فيه شمعون بيريس نفسه مع عدد من أعضاء حزب العمل، وهذه الحقيقة تدل على أن هذه الظاهرة رافقت كل الأحزاب العلمانية.
يرى رئيس المعهد الإسرائيلي للأبحاث البرلمانية يوحانان بينسير، في تحليل نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الأسبوع الماضي أن «الانقسام والتشظي مستمر على خلفية طائفية وفئوية، بين مختلف الأحزاب، يرافقها تمزق داخلي على خلفية المصالح الخاصة بسبب وجود إتنيات مترسخة، وطائفية دينية تاريخية بين اليهود الغربين واليهود الشرقيين». ويقدر بينسير أنه يصعب إيجاد وحدة تجمع بين حزبي هاتين الطائفتين إلا إذا اتفقا معاً على العلمانيين بشكل مؤقت وظاهري ويقول: إن أي تغيير في شكل ونظام الانتخابات لن يغير من وجود أكثر من ثلاثين حزباً أو قائمة انتخابية عند كل دورة لأن القاعدة هي محاولة اقتسام الميزانيات لمصلحة فئة أو طائفة ما وغالباً ما تظهر أشد الخلافات عند اقتسام الميزانية السنوية وما تخصصه للأحزاب وطوائفها المؤيدة للحكومة والمشاركة في الائتلاف الحكومي.
وتؤكد هذه الحقيقة وجود عجز واضح للحركة الصهيونية وإسرائيل عن صهر هذه التجمعات التي جيء بها من أصقاع الأرض إلى فلسطين حتى بعد مرور أكثر من 73 عاماً على إعلان هذه الدولة، فالكل يعرف أن حكومة بنيامين نتنياهو وضعت على جدول عملها منذ عام 2009 فرض مشروع «هوية يهودية الدولة» كحل يحمي هذا الكيان من التفتت وها هي هذه الحكومة الائتلافية نفسها لا تزال تواجه صعوبات عميقة في تشكيل حكومة ائتلافية هي الرابعة خلال سنة ونصف السنة من الانتخابات المبكرة ودوامتها المتصاعدة.
لقد تبين من آخر استطلاع للرأي نفذته قناتان إسرائيليتان أن نتائج الانتخابات المقبلة ستعيد في أغلب الاحتمالات صورة المشهد ذاته الذي ظهر في الدورات السابقة لأن كتلة الأحزاب التي ستفوز وتقف ضد نتنياهو ستجمع ما بين 57 أو 58 من عدد المقاعد مقابل 55 لبقية الأحزاب التي ستؤيد حزب «يوجد مستقبل» و«حزب أمل جديد» دون حساب أعضاء القائمة العربية المشتركة التي قد تفوز بعشرة أو تسعة مقاعد بعد انشقاق القائمة الإسلامية الجنوبية عن المشاركة في قائمتها وتفضيلها تأييد نتنياهو إذا فاز بعدد من المقاعد رغم أن هذا الموقف سيحول في أغلب الاحتمالات دون فوزها بمقعد أو اثنين.