الأزمة المالية التي ضربت العالم قبل أكثر من عقد، العلاقات الأميركية الصينية، من القضايا التي تشغل بال العالم، في 2012، وقبل أن يتولى قيادة الصين، أمضى الرئيس شي جين بينج أسبوعاً في الولايات المتحدة.
زار مزرعة في ولاية أيوا أقام فيها عندما كان شاباً وشارك في مباراة لكرة السلة مع فريق ليكرز في لوس أنجلوس كان مضيفه يومها هو نائب الرئيس جو بايدن، الذي امتدح شي قائلاً: «هذا رجل مستعد لإظهار جانب آخر من القيادة الصينية».
خلال الأعوام الماضية حدث تحول عبر الطيف السياسي، في كيفية تفكير الولايات المتحدة بشأن الصين، التوترات بين الولايات المتحدة والصين تتصاعد منذ الأزمة المالية العالمية 2008 وفي أواخر 2017 اتخذت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب نهجاً متشدداً ووصفت الصين بأنها قوة رجعية.
السؤال كيف سيتعامل بايدن، وهو الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والذي زار الصين في 1979 وكان متعمقاً في قضايا الصين على مدى ثلاثة عقود؟
فرانك جانوزي، الذي كان مستشار بايدن لشرق آسيا في مجلس الشيوخ، يرى أن لبايدن وجهة نظر رصينة للغاية تجاه الصين، بايدن يعتقد أن تغير المناخ من أكبر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة مما يجعله أكثر انفتاحاً على التعاون مع الصين.
تخشى بعض أوساط الأمن القومي أن يؤدي ذلك إلى أن تقدم إدارة بايدن كثيراً من التنازلات فوق الحد.
وقد يقع يايدن في حب النهج الصيني وتقديم التعاون بشأن المناخ لاتخاذ نهج أكثر ليونة بشأن قضايا أخرى، بالمقابل في الصين إعادة تقييم شامل للسياسة الأميركية الصينية، ولن تنسى دروس الأعوام الثلاثة الماضية.
خلال جائحة كورونا تراجعت العلاقات ما بين الولايات المتحدة والصين لدرجة حذر البعض من احتمالية انزلاق العلاقات الأميركية الصينية إلى الصراع.
ازداد التنافس في خمسة جوانب:
1- كان التنافس العسكري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية مشتعلاً قبل فيروس كورونا، ويبدو أن الوباء يصعِّد من حدَّة التنافس العسكري الصيني الأميركي.
الصين ترى في الجائحة فرصةً لتعزيز وجودها بالمقابل هناك رغبة في تعزيز القدرات الأميركية وطمأنة الحلفاء القلقين.
2 – قبل بدء الجائحة كان ثمة سؤال: هل نما اقتصاد الولايات المتحدة والصين ليصلا لحالةِ «الاتكال المتبادل»؟ هذه المخاوف دفعت صنّاع السياسات للنظر في «فك ارتباط» الاقتصادين الأميركي والصيني.
دفعت الجائحة لتقديم مشروع قانون، يهدف للحدِّ من اعتماد الولايات المتحدة على الصين في إنتاج الأدوية.
3 – قبل بدء الجائحة، كانت تتنافس واشنطن وبكين في مجالات التكنولوجيا الناشئة، منها مجالات المراقبة الرقمية والذكاء الاصطناعي، وتقنيات الجيل الخامس للأنظمة اللاسلكية (G5).
بعد جائحة كورونا قامت الحكومة الصينية بالفعل بالتوسع لنشر شبكات الجيل الخامس حول العالم.
4- قبل تفشي الجائحة، كانت واشنطن وبكين تتنافسان على مستقبل النظام الدولي: المعايير والقواعد والمؤسسات التي تحكم السياسة الدولية.
يعتقد المفكرون الصينيون أن الولايات المتحدة تشغل موضع الزعيم المنافق للنظام العالمي؛ ولا تلتزم بالقواعد إلا عندما تناسب مصالحها.
5 – المنافسة المعلوماتية، صرَّح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الصين «تقدِّم خياراً جديداً للبلدان الأخرى التي تريد تسريع تنميتها مع الحفاظ على استقلالها».
يبدو أن نهج المعلومات الصيني قد تغير بشكل ملحوظ خلال فترة الجائحة، وإستراتيجية الصين أصبحت أكثر حزماً وعالمية.
يقول المسؤولون الصينيون إن فيروس كورونا هو في الحقيقة من تصنيعِ ونشر الجيش الأميركي.
حالياً تبدو ملامح قناعة أنه لا ينبغي للتنافس ما بين واشنطن وبكين أن يمنع التعاون الضروري لمكافحة الجائحة.
التنافس سيكون من أجل الميزات الاقتصادية، والهيمنة العسكرية، والتفوق التكنولوجي، وسيكون من اعتبارات الجغرافيا السياسية لسنواتٍ قادمة.
ذكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في كتابه لعام 2011 أنه في عام 1972، زار الرئيس أميركي ريتشارد نيكسون الصين، وقال لرئيس الوزراء الصيني تشو إنلاي: «نحن نعلم أنك تؤمن إيماناً عميقاً بمبادئك، ونحن نؤمن بشدة بمبادئنا، نحن لا نطلب منك التنازل عن مبادئك، كما لا نرغب أن تطلب منّا التخلي عن مبادئنا». لا يزال الاستنتاج من هذه المقولة صالحاً اليوم.
إن إطار التعايش السلمي الذي يأمل بايدن في إيجاده يتطلب الحفاظ على توازن جيد بين المبادئ والواقع. الجمع بين المنافسة والتعاون لن يكون سهلاً على الدوام، لكن الإدارة الأميركية الجديدة أمام هذا الاختبار الحاسم.
قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: إن «ثلاثاً من الأولويات الأربع التي حددها الرئيس الأميركي جو بايدن، ستتيح مساحات للتعاون المشترك، وأكد، خلال حديث «لجمعية آسيا»، من مقرها بالولايات المتحدة، على أن: «التعاون المشترك لمواجهة كورونا هو الأمر الأكثر إلحاحاً
حالياً»، بالإضافة للتعافي الاقتصادي، والمناخ وإعادة بناء الثقة، من خلال الحوار، لتحقيق السلام والتنمية الدولية، مشيراً لخطورة المواجهة بين الدولتين.
إن بايدن سيتبع سياسة عقلانية مع الصين، ومواصلة الحوار للوصول إلى حلول وسطية تحافظ على التوازن الاقتصادي وسيكون للاقتصاد دور بارز في معادلة التنافسية، لكن أميركا ستستمر بإعاقة طموح الصين بالحصول على لقب «أكبر اقتصاد بالعالم».
العديد من المحللين يرون أن بايدن قد يتبع سياسة «خطوة خطوة» على مسار العلاقات الثنائية مع الصين التي ينظر إليها باعتبارها من الأولويات في السياسة الخارجية، وستدار اللعبة من زاوية المنافسة والتعاون في آن واحد.
يدرك فريق بايدن أنه يتعين على الولايات المتحدة التعاون مع الصين في القضايا ذات الاهتمام العالمي مثل البيئة والصحة، وسوف يعود بايدن إلى الالتزام بمعاهدة باريس المناخية، ووجهة نظر تقول قد يعود بايدن إلى سياسة كيسنجر، فرِّق تسُد، ففي أوائل السبعينيات سعى الأميركيون إلى استمالة الصين في مواجهة الاتحاد السوفيتي.
اليوم، هل يحاول بايدن تعميق العلاقات الأميركية الروسية على حساب الصين؟
يُعد التعاون بين الولايات المتحدة والصين أمراً ضرورياً لحل التحديات العالمية الكبرى، بدءاً من الخطر الكامن المُتمثل في حدوث حرب نووية إلى تغير المناخ، والإرهاب الدولي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والأوبئة، وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجنب المنافسة في التجارة والتكنولوجيا والفضاء.
لقد أصبحت المنافسة الصينية الأميركية القضية الجيواستراتيجية العالمية الرئيسة، وبايدن قد يتصرف بمهارة ومسؤولية وانفتاح أكثر من سلفه، وسيعتمد السلام والازدهار العالميين في القرن الحادي والعشرين إلى حد كبير، على نوعية العلاقات الثنائية الأكثر أهمية في العالم، وقد تكون المنافسة بديلاً للصدام بين البلدين.