من دفتر الوطن

الشيف ونشرة الأسعار

| عصام داري

كنت شغوفاً بالقنوات المتخصصة بالطبخ والطعام الصحي وغير الصحي، المهم أن يكون هذا الطعام لذيذاً، ولا بأس إذا كان رخيص الثمن قليل التكلفة، لذا كنت أترقب فقرة (على قد الإيد) وبالترجمة السورية «على قد بساطك مد رجليك» التي تبث على إحدى المحطات العربية.
منذ يومين تابعت إحدى حلقات هذا البرنامج، لكنني صدمت عندما بدأت معدّة ومقدمة البرنامج بتعداد مكونات الطبخة وبعدها الحلو، فالطبخة لا تحتاج إلا إلى نصف كيلو لحمة، لا يهم أكانت لحم غنم أو عجل أم استبداله بالفجل!
إضافة إلى اللحم علينا أن نستخدم بعض الخضر كالفاصوليا والكوسا والباذنجان وبعض البهارات والمنكهات!
وبحسبة بسيطة اكتشفت أن هذه الطبخة ستكلفني أكثر من سبعة عشر ألف ليرة، أي ما يعادل أكثر من ثلث راتبي التقاعدي، من دون حساب الخبز والغاز وخلافه.
لكن المشكلة ليست في غلاء الخضروات واللحوم وحسب، بل في ندرة الوقود اللازم للطهي، أي الغاز المنزلي، أو الكهرباء المقطوعة، فنحن لا نستطيع الطبخ على فرن الغاز لأننا لا نحصل إلا على أسطوانة واحدة كل شهرين، أو أكثر، وهي المدة التي رأت الجهة المسؤولة عن المحروقات أنها تكفي أي أسرة، وهي تكفي فعلاً، ليس لأنها كذلك فعلاً بل لأن السلطة المتخصصة لا تكذب وهي تفهم أكثر من المواطنين وحساباتهم العصبية المبنية على الغلّ والحقد على أصحاب المازوت والغاز والنفط والفيول والقطران!
أمام هذه المعوقات والعقبات قررنا استبدال طبخة فقرة (على قد الإيد) بنصيحة الصبوحة التي تحب البساطة، وعزمنا أمرنا وكان خيارنا على الجبنة والزيتون والبطاطا! يا ويلتاه فكيلو الجبنة يقترب من الستة آلاف ليرة سورية فقط لا غير والزيتون بخمسة آلاف ليرة والبطاطا تناطح الألف ليرة سورية.
استناداً إلى ما تقدم فإنني في حيرة من أمري، فماذا علي أن أفعل كي أتدبر وجبة واحدة في اليوم تتناسب مع راتبي المحدود والمهدود؟ وهذا ما دفعني اليوم لكتابة هذه السطور لأستنجد بالجمهور(على طريقة من سيربح المليون) كي ينصحني ويقدم لي أفضل الحلول كي يكون طعامي(على قد الإيد) فعلاً.
انتهينا من الطبخ والنفخ، وصار علينا الاطلاع على الحلويات التي تقدمها المحطة التلفزيونية نفسها، والحلوى اليوم هو الكيك بالشوكولا والمكسرات!!
ومرة أخرى يا ويلتاه، فالكيك يحتاج إلى بيض(صحن البيض بـ6500 ليرة سورية) وطحين وفانيليا وعصير برتقال وشوكولا وغيرها، وهذه الوصفة تأتي على بقية راتبي بعون اللـه تعالى، وسأبقى بلا طعام ولا شراب ولا دواء حتى آخر الشهر، علماً أنني رأيت صحن شوكولا، سعره متنوع وأقل من نصف مليون ليرة سورية لا غير.. أي ما يعادل راتبي في عشرة أشهر!!
المهم في الأمر أنني صرفت النظر عن الكيك وقررت شراء هذا الصحن الجميل والحلو، «وعمره ما حدا يرث»، وسأكتفي بالخبز الحاف الذي يعرّض الأكتاف، على أمل الحصول على ربطة واحدة يومياً من دون الوقوف على الأفران أكثر من ساعتين/وبالله المستعان!
هكذا وجدت نفسي بعد نصف قرن من العمل غير قادر على شراء أكثر من ربطة خبز يومياً وصحن شوكولا كل عشرة أشهر وقليل من الكمثرى والكافيار والأفوكادو لزوم طعامي والإبقاء على حياتي بالحدود الدنيا.
لا تصدقوا أي كلمة كتبتها، فالدنيا بخير، وعلى رأي جورج وسوف (لسه الدنيا بخير يا حبيبي).. ويا حبيبي!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن