الحاصل الزمني نستعرضه بعد أن انتهت أمريكا من الاتحاد السوفييتي وفرطت عقده، وحيّدت روسيا الاتحادية التي تهددها باتحاديتها، واتجهت لتكون وجهاً لوجه مع الأمة العربية، دمرت وخربت وقلبت أنظمة، وحاصرت بعضها، وسيطرت بشكل نهائي على سوادها باللين أو بالإكراه، محققة معادلة الضمانات بعد الانقلابات والضمادات، بعد حدوث الجراح.
نزاع عالمي جزّأته أمريكا إلى مناطق حاربتها بهدوء وصراخ وعنف، ومن وجهة نظري نجحت أمريكا إلى حد كبير، ولكن لماذا؟ هل الخوف على وجودها، ومن عدوها اللدود؟ وما الذي تحاول أن تتفاداه من أخطار قادمة إليها؟
لا محالة ومؤكد أن الصين في الاعتبارات الأمريكية هي الخطر الأكبر والأوحد الذي سعى أولاً لإقصاء أمريكا من آسيا، ومن ثم من إفريقيا، وتنشط كثيراً في تحييد أوروبا، وأكثر من ذلك ضرب العمق الأمريكي الذي يمثل معقل الديمقراطية العالمية وتحويله إلى حالة همجية، وبالفعل حدث هذا والذي شهدناه في لحظات اقتحام مبنى الكابيتول «الكونغرس»، وما جرى فيه مثّل الوجه الطبيعي لرعاة البقر، ما وجّه النظر العالمي إلى قلب الصراع الأمريكي الصيني، الذي يظهر حجم الخلاف في البيت الديمقراطي والتنافر الهائل بين الأوروبي والأمريكي، وهذا أدى إلى مَنْ يسبق مَنْ إلى الصين، ومَنْ يسيطر على مَنْ، وهنا نجد أن الأمريكي راهن كثيراً في هذه المرحلة، بل وصل إلى حد المقامرة في محاولته السيطرة على أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وأهم من كل ذلك على العالمين العربي والإسلامي، وأخذ ذلك مع دفع عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا ظهر جلياً في اندفاعة الدول العربية نحو التطبيع، وإن كان بسرعات مختلفة ورؤى متباينة، لكن الواضح أن الأمريكي استطاع في سبيل ذلك التقدم كثيراً بعد أن ضمن سواد الدول العربية، وطبيعي أن تتفهم السياسة العميقة في أمريكا أن نجاحاتها لا تتم إلا باستباحة جميع دول العالم من دون استثناء، ولكن ضمن جدول منتظم يحمل الأولويات التي بنّدتها بانهيار الاتحاد السوفييتي، وبعده الأمتان العربية والإسلامية، ومن ثم الصين، وبما أن أوروبا تضيع إن خرجت من الحاضنة الأمريكية، فهي مضمونة، ولا تشكل لها رعباً ولا خوفاً، وكل هذه الاستباحات والإغراءات من أجل توظيف مواردها على نحو أكثر إستراتيجية تحت مسمى دعم نمو العالم الثالث وإنشاء بنية تحتية فيه، تخدم مصالحها أولاً مع فتات ترميه لمجتمعات أوروبا.
إذاً، هي الصين الهدف وضرورة تحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري القادم منها، هذه التي لم يستطع أعتى رئيس مرَّ على أمريكا – وأقصد ترامب- أن يروضها عبر أربع سنوات، وكيف ستتفهم إدارة بايدن الجديدة أن الكثير من العالم قد تغير على مدى هذه السنين؟ طبعاً باستثناء العرب الباقين عرضة للتنافس على النفوذ بين كل القوى المتصارعة، حيث يشير الواقع إلى تحول الجميع إلى حروب باردة، وأهمها سيكون بين أمريكا والصين، يحدث هذا بعد أن تعيد أمريكا هيمنتها على أوروبا من جديد، ومحاصرة روسيا الاتحادية بطوق الناتو، وأهمه دول آسيا الوسطى، وتبقى الدول النامية المتخلفة فكرياً تائهة كما هو عهدها بين القوى العظمى، وبشكل خاص بين أمريكا والصين اللتين تقدمان الضمانات بعد الانقلابات، والضمادات بعد الجروح الناتجة عن الحرب، واللقاحات التي ستهيمن بعد انتشار كورونا «كوفيد 19» على الناس كافة، فهل ندرك أين نحن من كل ما يجري من صراعات؟ والمهم أن نصل إلى ما نريد، إنها الصين القادمة إلى العالم بقوة، انتظروها!