قضايا وآراء

على ذمة «الغارديان» ترامب كان جاسوساً!

| عبد المنعم علي عيسى

ما يدفعنا إلى لصق التوصيف الذي حمله العنوان أعلاه بجريدة «الغارديان» البريطانية هو أن تقريرها الذي نشرته قبل أيام، وفيه سردت لرواية طويلة يمكن إيجازها بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان عميلاً لجهاز الاستخبارات السوفييتي، ومن ثم الروسي الذي ورثه، على الرغم من أن التقرير كان قد استند إلى معلومات كان قد أدلى بها جاسوس الاستخبارات السوفييتي يوري سيفيتش الذي عمل مراسلاً لوكالة «تاس» السوفييتية في واشنطن خلال الثمانينيات من القرن الماضي، قبيل أن يلتحق سكنه نهائياً بالولايات المتحدة في العام 1993، بعد أن حصل على الجنسية فيها، حيث لعبت خبراته وقدراته عامل إغراء للعديد من الشركات التي شرعت أبوابها له، فكان أن التحق بالعديد منها والتي كانت على درجة وسطى من الأهمية، ومع ذلك بزغ نجمه عبر العديد من الروايات التي قدمها، والتي كان يضع نفسه فيها في موضع القرار، أو على الأقل في موقع الملم به.
ما يدفعنا إلى ذلك هو أن تقرير «الغارديان» لم يكن مهنياً مئة بالمئة، بمعنى أنه كان يحمل بين طياته ميلاً إلى تبني رواية سيفيتش سابقة الذكر، وهو يظهر في العديد من مفاصله نزعة توحي بصدقية ما يقوله هذا الأخير.
تقول الرواية المنسوبة إلى سيفيتش، إن ترامب كان قد أضحى هدفاً لجهاز الاستخبارات التشيكوسلوفاكي، ومن ورائه جهاز الاستخبارات السوفييتي، منذ عام 1977، بعدما تزوج من عارضة أزياء تشيكوسلوفاكية، وبعدما أثبتت المعلومات الواردة عنه نرجسيته وغروره، الصفتان اللتان جعلتاه هدفاً طبيعياً للتجنيد، وتضيف الرواية أن ترامب كان قد زار بطرسبورغ برفقة زوجته في عام 1987، والتي كان اسمها لينينغراد آنذاك، وفي تلك الزيارة عرض عليه جهاز الـKJB الروسي، فكرة الدخول إلى عالم السياسة، وتتابع الرواية أن ترامب كان قد بدأ فور عودته من تلك الزيارة باستكشاف إمكان أن يحظى بترشيح الحزب الجمهوري له لخوض معركة الوصول لرئاسة الولايات المتحدة، لكن المدهش هو في المعلومات التي وردت في السياق سابق الذكر، حيث يقول التقرير إن ترامب كان قد نشر في أيلول من العام الأخير، أي عام 1987، ثلاثة مقالات في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«بوسطن غلوب» وفيها كان قد عرض لآراء غير تقليدية، من نوع التعبير عن شكوكه بشأن وجود الولايات المتحدة داخل حلف الناتو، ووجوب التوقف عن دفع الأموال عن دول تستطيع الدفاع عن نفسها، واللافت فعلاً أن هذه الآراء كانت من ضمن السياسات التي انتهجها ترامب في غضون حكمه الممتد ما بين 2017-2021، لكن ذلك، حتى ولو عرض التقرير صوراً موثقة عن تلك المقالات التي قال إن ترامب كتبها في الجرائد الثلاث سابقة الذكر، لا يعتبر دليلاً، بل ولا مؤشراً، من النوع الخادم لفكرة أن ترامب كان عميلاً لاستخبارات خارجية.
يتابع التقرير محاولاته لإضفاء المصداقية على ما ورد فيه فيقول: إن موسكو كانت أول المرحبين بانتخاب ترامب أواخر عام 2016، وهو مؤشر لا يمكن الرد عليه، فهكذا ترحيب معتاد في العلاقات الدولية، بل وهو رائج أكثر فيما بين الدول المتنازعة بدرجة أكبر، عندما تكون الحجوم على هذا المستوى، من تلك التي تقوم في ما بينها علاقات طبيعية، ثم يضيف: إن الاستخبارات السوفييتية سبق وأن حققت نجاحات كبرى على مستويات عالية، ويستشهد هنا بشبكة التجسس السوفييتية التي زرعت في قلب لندن، وعرفت باسم «كامبردج فايف» التي نجحت في نقل أسرار الإمبراطورية البريطانية إلى موسكو خلال الحرب العالمية الثانية ولفترة طويلة من بدايات الحرب الباردة، وحتى هذا النجاح، وهو نجاح أكيد وموثق، لا يضيف شيئاً إلى الغاية المرجوة من التقرير، فإن ينجح الـKGB في عملية كبرى من نوع «كامبردج فايف» لا يعني بالضرورة نجاحه في عملية أكبر من نوع تجنيد شخص حمل فيما مضى الرقم 45 بين رؤساء الولايات المتحدة الأميركية.
من الصعب تصديق رواية «الغارديان»، التي قالت إنها نقلتها عن جاسوس سوفييتي فائق الخبرة، عن جاسوسية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فالأمر يحتاج إلى توثيق مما تفتقر إليه تلك الرواية، وأن تذهب الجريدة الرصينة إلى فعل من هذا النوع فتسرد رواية تهدف إلى «شيطنة» هذا الأخير هكذا ومن دون أدلة مباشرة، فهذا أمر مستغرب ومن الصعب فهمه، فالحدث بالتأكيد إذا ما حظي بتصديق شرائح واسعة من الأميركيين سيكون ذي أثر زلزالي، في بلاد ما انفكت تعاني من ارتدادات زلزال لم تنقض هزاته الإرتدادية بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن