من دفتر الوطن

خادشة للحياء!

| فرنسا - فراس عزيز ديب

بنظرةٍ يملؤها الفرح والشجون لبَّيتُ دعوةَ «أبي نواسٍ» و«أبي هارونَ المأمون»، أخذوني عندَ أطراف المدينة حيث تكثرُ مرابعُ اللهوِ والمجون، تحسبُ الحسناواتُ هناكَ وهُنَّ يتمايلنَ كمن يتراقصُ على خصورهنَّ الدّر المكنون، أما «تأبَّطَ طرباً» فبدأ يغرَّد حتى حسبتهُ غراباً ظنَّ بنفسهِ حسون، إلى أن وصلَ إلى المقطعِ الذي يقول: ولنهودهِنَّ عبقٌ كلما شممتهُ بتُّ ليلتي على سريرهنّ مركون..
هنا أطرقتُ خجلاً، وتساءلتُ أليسَ هذا خَدشَ حياءٍ أم صفَّ كلامٍ شاعرهُ مجنون؟
أجابني أبو هارون: اسأل صاحبكَ، أليسَ هو من نحتَ جسدَ الغانياتِ بكلامٍ عذبٍ وحنون؟
لم يبتسم أبو نواس، أعرف بأنه أكبرُ من اتهاماتٍ كهذه، وضعَ يدي بيده لنهربَ معاً كطائرٍ قضى وَطراً وهو مسجون، مردداً:
دعِ المشاعرَ تحلقُ بحريّةٍ على تضاريسِ من تعشق، لكن هيهاتَ للمشاعرِ أن تصبحَ تردَاداً في مزادٍ رخيصٍ ومأفون!
استيقظتُ من حلمي لأعودَ إلى حاسبي، يا إلهي! فنقابة الفنانين في سورية اكتشفت بأن المرابعَ السياحية كما اسمتها يقوم فيها المغنون باستخدامِ ألفاظٍ خادشةٍ للحياء، اكتشافٌ يستحقون عليهِ التصفيق، لكنهُ يحتاج للكثير من المراجعة.
لا يمكن لأحد أن يقفَ في صفِّ المعارض لأي قرارٍ يهدف إلى ترميمِ ما يمكن ترميمه من فجواتٍ مجتمعية على جميع الصعد، فمن يستخدم باسم الفن عباراتٍ نابية عليه أن يتوقف بل يحاكم، لكن علينا مبدئياً أن نُعرِّف مفهوم «خدش الحياء» لنعممهُ على كل المجالات الفنية وغير الفنية، فالمصطلح مطاط وليس وليد اللحظة.
النقطة الأهم، إذا كان المقصود من هذا القرار هو «معشر المطربين الشعبيين» الذين يرتكز عملهم في المرابع الليلية، فماذا عن الدراما؟
القضية هنا لم تعد فقط مرتبطة بعباراتٍ خادشة للحياء، في الدراما نجد مقاطع خادشة للحياء، قصص بأكملها خادشة للحياء، هل نسينا أن هذه الدراما مثلاً قدَّمت لهذا الجيل حلقات وحلقات عن علاقاتِ المحارم والخيانات الزوجية؟ أين كنا حينها؟ أم إن ما يتعلق بالدراما لا يجب المساس به بذريعةِ أنها تجسد الواقع.
بالتأكيد أنا لستُ ضدَّ الفن، ولا حتى تجاوز الخطوط الحمراء في الفن، لكني مع السعي لاحترام الشريحة التي تصلها الدراما والفئات العمرية التي تتابع، فطفل عمره سبع سنوات لا يمكن أن تسمح لهُ بمشاهدة شاب يعشق زوجة أخيه ويخونه معها، قصص كهذه مكانها السينما، أو اعتبار المسلسل للشريحة العمرية المناسبة عندها فليتحمل الأهل المسؤولية، تماماً كما أن المرابع الليلية وغيرها محظورة على من هم دون السن القانوني!
في الخلاصة: جميعنا يجب أن يشارك بأفكارهِ لحماية ما تبقى من قيم في هذا المجتمع، لكن في الوقت ذاته هذه الحماية ليست انتقائية، فأساس أي قرار أو قانون هو التوصيف والتعاريف، ماذا لو سألناهم اليوم ما تعريف مصطلح «خادش للحياء»؟ أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من القرار أي «العبارات الطائفية» فلن أخوض به لسببٍ بسيط، أياً كانت طريقة التعاطي معها فسنضطر لعباراتٍ لا أحبها لأنها أكثر من يخدش الحياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن