قضايا وآراء

دون عقول تفهم أو عيون ترى!

| د. بسام أبو عبد الله

يسأل أحد جهابذة من سموا أنفسهم «معارضة سورية» في مقال له بصحيفة الشرق الأوسط البترودولارية بتاريخ 9 شباط الجاري عن مصائر «الأسديين» في سورية، وكأنه شخصية منتصرة بقيمها ومبادئها أو أنه نموذج يقتدى به في النضال السياسي، وفي سحر خطاباته ومواقفه، وتأثيره الإقليمي والدولي طوال سنوات عشر من الحرب الفاشية على بلده وشعبه، لا أستطيع أن أفهم بأي مدرسة تربى هؤلاء، ولا أي حقد يحملونه، ولا معيار العمالة والخيانة التي يمكن قياسهم بها، ولا حالة الإنكار والوهم التي يعيشونها، إذ إنهم أفلسوا من كل شيء، وتحولوا لـ«دمى» لا قيمة لها ولا وزن، وهكذا كانوا وسيبقون وينتهون.
هذا القَلِقْ على مصير «الأسديين»، يكتب مقالاً في مصدر الارتزاق نفسه «الشرق الأوسط السعودية» بتاريخ 26 تشرين الثاني الماضي بعنوان: «سقطات الائتلاف الست» يجمل فيها وضاعة هذه المعارضة وقذارتها وعمالتها ودناءتها عندما يعدد سقطاتها المتمثلة بتحولها لهيكل عاجز عن القيام بدوره، وبالصورة الباهتة لهؤلاء المعارضين في عيون السوريين، وبالرداءة في مواقف وسياسات الائتلاف وشخصياته، وباستغلال غالبية المشاركين في هذا الائتلاف وجودهم لتحسين مكانتهم، والحصول على مكاسب بدلاً من التفكير في الشأن العام للسوريين، ليضيف أن أكثر مكونات هذا الائتلاف من تنظيمات وشخصيات قد خالف ما سماه «قيم ومبادئ الثورة» المزعومة بالاتجاه نحو «التطرف والتطييف، الأسلمة والعسكرة، دعم النصرة وداعش»، مع إضعاف تمثيل المرأة إلى أدنى حد، وفشل مؤسساتي وفساد واسع إداري ومالي، وتسلط المتأسلمين على هذا الجسم المريض وتبادل المواقع والمنافع، والفلتان السياسي والتنظيمي عند غالبية أعضاء الائتلاف بسبب التصريحات العشوائية، والغياب عن الاجتماعات والنشاطات.
وإذا كان هذا هو تقييم أحد جهابذة المعارضة لأحد أهم البنى التنظيمية، فماذا عنّا نحن؟ وكيف ننظر لمصير «الأرانب» باعتباره أسمانا «أسديين»، وهو الذي أشار في المقال نفسه إلى أن هذه الأسباب هي التي تقف خلف انخفاض مستوى الاهتمام الدولي والإقليمي بالائتلاف، وبالقضية السورية، وبأن الحل لديه هو تطبيق المثل العربي «آخر الطب الكيّ!».
الحقيقة أنه حتى الكيّ معكم لن ينفع، ذلك أن أستاذكم الروحي روبيرت فورد، مَلّ من كثرة التصريحات والدراسات التي تقول لكم «أنتم سفلة وخونة»، ومَلّ من كثرة القول لكم إن أميركا تستخدمكم أدوات، وتعرفكم فرداً فرداً، وكم قبضتم دولاراً دولاراً، وكم أنتم وضيعون وبلا أخلاق ولا ضمير ولا انتماء، ألم يقل لكم فورد في كانون الثاني 2011: «إنكم مجرمون وترتكبون الجرائم» ليس لأنه إنساني، بل لأنه مستمتع بهذه الجوقة من القتلة الذين يدمرون بلدهم وشعبهم، ثم ألم يدعُكم في عام 2016 إلى التخلي عن الشروط المسبقة لأنكم هزمتم، وألم يعترف هو بعظمة لسانه أن دعم واشنطن لكم كان من أجل تدمير سورية، وأن سلوك واشنطن هو لتحقيق هذا الهدف معتقداً أن ذلك سيدفع سورية للاستسلام، ثم أقر لاحقاً أن الرئيس بشار الأسد أقوى عسكرياً، وأن ما سماه المعارضة انتظرت طويلاً كي ترسل الولايات المتحدة جيشها لسورية وهو أمر لن يحصل! قالها عشرات المرات، وبهائم المعارضة لم تفهم، ولا تريد أن تعي ذلك.
في تموز 2019 نصح فورد بألا ينتظر أحد شيئاً من الولايات المتحدة، وأن لا أحد في واشنطن مستعد للمخاطرة بحرب عالمية ثالثة بسبب سورية، وقال قبل ذلك إن أصدقاءه المعارضين السوريين لن يكونوا مسرورين من كلامه هذا.
ومنذ عام 2017 قال فورد في حديث لصحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية إن الرئيس الأسد انتصر، وإنه من المستحيل للمعارضين هزيمة الرئيس الأسد وحلفائه، ووجه فورد رسالة واضحة لقيادات وبهائم «قسد» بالقول: «لن تستخدم أميركا قواتها للدفاع عن الكرد، والكرد سوف يرتكبون خطأ فظيعاً إن اعتقدوا أن الولايات المتحدة سوف تأتي لإنقاذهم».
ولم يكتف فورد بذلك، بل قال في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» البترودولارية، التي يكتب فيها جهابذة المعارضة ويرتزقون فيها، في تموز 2019 إن أميركا تحتقرهم بدليل أنها منعت معظمهم من الحصول على تأشيرات أميركية ورفضت منحهم حق اللجوء، وهل يريد هذا المعارض احتقاراً أكثر من ذلك، ونظرة دونية أوضح من ذلك، لكن دون أن يفهم ويعي، ليس لأنه لا يفهم ولا يعي، ولكنه ببساطة لأنه خائن!
في 15 كانون الثاني 2014 تسرب محضر لقاء لـفورد مع جهابذة «المعارضة السورية» قيادات الائتلاف، وكانت واشنطن قد يئست من هؤلاء المرتزقة، ومما تسرب آنذاك أن فورد أبلغهم بإزاحة المجرم بندر بن سلطان وسعود الفيصل، وأن خطة «بندر بترايوس» التي وضعت عام 2012، والأخير كان مديراً لـ«سي آي إيه» في سورية، كانت خطة كارثية النتائج على سورية والمنطقة، وحولت سورية إلى مركز للقاعدة وليس للديمقراطية، ويصعب على أميركا مواجهتها! على الرغم من أن إدارة الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، هم من دعموا القاعدة وداعش! وبغض النظر عن كذب فورد للأسباب التي دعته لجمع مرتزقة المعارضة السورية، فقد قال لميشيل كيلو، اليساري الماركسي: لقد أصبحت علاقتك معنا، وليس مع بندر، حسب ما طلب السعوديون، وانتبهوا فإن كيلو انتقل من عميل لـبندر، إلى عميل للأميركيين بالمحصلة المعلم نفسه، وأما هيثم المالح فقال له فورد: لقد دفعنا لك أربع مرات من أجل الجنائية الدولية، ولم تفعل شيئاً، أي سرقت المال، وعليك إيجاد تبرير لحضور مؤتمر جنيف، وأما «البروفسور» برهان غليون فقال له فورد: أنت انتهيت منذ زمن طويل!
ليتابع فورد مخاطبة ممثلي الاتجاه المتأسلم في ذلك الاجتماع بالقول: ستنفذون ما نريد، وإلا سنقطع عنكم المساعدات!
المعلومات لتذكير السوريين بهؤلاء وماضيهم القذر، ومن هم، والذين ما زالوا بعد عشر سنوات من الحرب الفاشية يكتبون دون خجل ولا حياء، ولا حتى أدنى درجة مما يمكن أن يتمتع الإنسان بها من منطق، ومحاكمة عقلية بسيطة.
يدرك الأميركيون حسب فورد، أن مشروعهم في سورية هزم، وقد كتبوا عن ذلك علناً، ويدركون أكثر أن هؤلاء المرتزقة الذين خانوا وطنهم، وتسببوا بأكبر كارثة لشعبهم، وجلبوا لنا كل أوساخ الأرض وقتلتها ومجرميها، وتحالفوا مع عتاة السفلة من أجل أن يجلبوهم أدوات رخيصة للسلطة، وكل ذلك تحت عناوين براقة فقدت تأثيرها، وانكشفت لكل ذي عقل وبصيرة، ولم يبق متمسكاً بها سوى المتطرفين والمرتزقة، الذين يريدون استمرار آلام السوريين ليملؤوا جيوبهم، ويزيدوا ثرواتهم.
مع كل هذه الحقائق والأدلة مازال هؤلاء يكتبون ليسألوا عن مصير «الأسديين» لنقول لهم كما قلنا في الأسبوع الماضي: مصيرنا في وطننا وعلى أرضنا نقرره بدبابات جيشنا، ودماء الآلاف من شهدائنا، وآلام جرحانا، وقساوة الحصار والعيش، نقرره بوضوح شديد بكرامتنا وعزنا، وخلف رئيسنا بشار الأسد الذي سوف ننتخبه في الشهور القادمة، لنقول لكم بوضوح شديد: إنكم خونة، وإنكم مكشوفون، ولم يعد لكلامكم تأثير سوى على البلهاء، وأن التغيرات القادمة ستفاجئكم، إنها تغيرات صنعتها تضحيات باهظة الثمن، ولكن ستقررها أسود واجهت الصعاب وقهرتها، وتحملت العذابات والحصار والمعاناة، لتقول لكم جميعاً: سورية يحكمها أسود، ومصيرها محسوم لمصلحة شعبها وجيشها وقائدها، أما أنتم فابحثوا وفكروا بمصيركم، مصير الأرانب، التي لم تمتلك حتى الآن عقولاً تفهم، أو عيوناً ترى، كما قال سيدكم فورد ذات مرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن