من دفتر الوطن

تسميم وسائل التواصل

| حسن م. يوسف

«ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر». عندما قرأت هذه العبارة المنسوبة لوزير الحرب الصهيوني الأسبق موشيه يعالون قبل بضع سنوات، اعتبرتها مجرد جزء من الحرب النفسية التي يشنها الكيان الغاصب على كل من يقاومون مشروعه الفاشي الاستيطاني في فلسطين، لكن النزاهة تقتضي أن نعترف بأن أعداءنا نجحوا في اشتقاق عناصر من المصابين بداء نقص المناعة الوطنية عندنا، فغسلوا عقولهم وأغروهم بأن يحاربوا ضد مصلحة شعبهم وأن يستخدموا موارد الأمة ضد مستقبلها.
يعلم قارئي المتابع أنني أمضيت عمري في الصحافة أنتقد الفساد وممارسات الحكومات المتعاقبة، لأنني كنت وما أزال أريد لوطني أن يكون أقوى وأبهى وأغنى. لكن الغرب الاستعماري لم يسلط قوى الفاشية العالمية على الدولة السورية، منذ عشر سنوات وحتى الآن، لأنها فاسدة، بل لأنها ليست فاسدة بما فيه الكفاية، بالنسبة لهم، فالدولة السورية كانت من الدول القليلة في العالم التي لم تضع اقتصادها تحت رحمة البنك الدولي ولم تقترض منه.
لا شك أن الظروف المعاشية لذوي الدخل المحدود باتت قاسية جداً، فمشكلات الطاقة والتموين تفاقمت مؤخراً بسبب التضخم الناجم عن العقوبات الأميركية المجرمة، وحرق المحاصيل، وجشع التجار، وأنا أرى أنه من الطبيعي أن يعبّـــر من يعاني عن معاناته بالطريقة التي يراها مناسبة، لكني لاحظت خلال الأشهر الماضية زيادة ملحوظة في عدد من يستهزئون بفكرة المقاومة، ويحرضون على الدولة السورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما يثير الشكوك حول هؤلاء هو أن بعضهم يعيشون خارج سورية ويقبضون بالدولار. وقد صدمت قبل أيام عندما قرأت لسان حال لكاتبة كنت أحترمها تقول فيه: «أحسن ما قد يحدث مع هذه الأوطان أن نغادرها.. نهجرها كهجرة نبي ظُلم في وطنه وبين أهله».
لست أريد لك أيها القارئ العزيز أن تبتلع معاناتك وتصمت، لكنني أجد أنه من واجبي أن ألفت انتباهك إلى أن الوحدات الإلكترونية في أجهزة الاستخبارات الصهيونية تقوم ببناء صفحات وأذرع إعلامية موجهة باللغة العربية، وقد أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخراً أنها أصبحت قادرة اليوم على الوصول إلى كل مواطن عربي، كما كشف ليوناتان جونين، رئيس قسم «الدبلوماسية الرقمية» باللغة العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية خطة بلاده للسيطرة على عقول الشباب العربي قائلاً: «منذ عام 2011، أدركنا أن الطريقة الأفضل للتوجه إلى الشباب العربي هي فيسبوك… وقد أصبحت هذه الطريقة الآن هي الأقوى والأكثر تأثيراً»… «نحن نتجاوز الحكومات والإعلام ونصل مباشرة إلى المواطن العربي، فقبل 10 سنوات لم تربطنا أي علاقة بمن في المنطقة، ولم نكن نعلم حتى ماذا يكتب في صحفهم، ومن المثير للدهشة أنه أصبحت تربطنا علاقة مباشرة مع الناس في كل دولة عربية».
ولا يخفي الصهاينة أنهم يتعمدون في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تسريب معلومات سرية وقضايا فساد ‏وتحليلات لكسب ثقة زوار تلك الصفحات تمهيداً لسحب المعلومات منهم واستدراجهم لما هو أخطر من ذلك.
لا شك أنه من حق السوريين الذين قدموا التضحيات أن يكافؤوا على صمودهم وتضحياتهم، وإن كانت الظروف لا تسمح كما يقول المبررون، فالواجب يقضي بعدم زيادة معاناتهم على الأقل. والدستور يكفل للمواطن حقه في انتقاد الحكومة التي لا تزال تعالج المشكلات والتحديات الجديدة بالعقلية القديمة نفسها! لكنني أحذّر أخوتي السوريين من الوقوع في الفخاخ التي ينصبها أعداؤنا في شبكات التواصل الاجتماعي. لأن الكلام الانفعالي اليائس لن يسهم في حل مشكلاتنا أبداً، بل سيكون سبباً في استفحالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن