ثقافة وفن

«الطوابع الشعبية في الشعر الأندلسي».. يحمل هموم الناس وينغمس بقضايا الأمة!

| سارة سلامة

يرصد كتاب «الطوابع الشعبية في الشعر الأندلسي»، للباحث الدكتور محمد رضوان الداية ما تفرد به الشعر في الأندلس عن غيره من الأقطار وخصوصيته في حمله فكرة التعبير عن الناس وأحوال البلاد والانغماس بقضايا الأمة الصعبة، والكتاب من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب يقع في 191 صفحة من القطع الكبير.
وجاءت فكرة الكتاب في رصد هذه الطوابع الشعبية في الشعر الأندلسي على سبيل الاستيفاء على قدر ما تسمح المصادر، وتفصيل ذلك بحسب الموضوعات المختلفة في فنون الشعر وأغراضه، وأنواع النظم الأخرى التي اشتهرت بها الأندلس؛ الموشحات والأزجال، وظهرت في الأندلس موضوعات، أو كان صوتها فيها عالياً، وهو من خصوصيات الأندلس: من بكاء المدن الضائعة أو الخربة، وشعر الاستنجاد والاستنصار، والتشوق إلى البلاد لكثرة الرحلات، وكثرة الهجرة، لاسيما بعد تساقط المدن والدويلات.

حاضناً لنبض الشارع

ويبين أستاذ الأدب والنقد في جامعة دمشق أن الطوابع الشعبية تعني بأن الشعر يتم تفصيله من قلوب شعوبه وأفئدتها وينطق بلسانها ويصور حياتها وآمالها وآلامها سواء في عصور الابتهاج أم الابتئاس، وبين في تقديم الكتاب أن الأندلسيين انفعلوا بأحداث بلادهم وأحوالهم، وسجلوها، وكان للشعراء أثر في هذا التسجيل، وكان الشعر حاضناً لنبض الشارع، وعواطف الناس وآمالهم، وكان متنفساً للشاعر الأديب الملتزم للشكوى من الظلم، والدعوة إلى الاتحاد، والتحذير من التفريط.
وأنشد في العصر الحديث أحمد شوقي قصيدة أشار فيها إلى انحيازه إلى الطبقات الشعبية، متحدثاً عن آمالها وآلامها، مسترسلاً مع الناس في أحوال الابتهاج وأحوال الابتئاس، وسجل الشعراء ما جرى لبني أمية على يد العباسيين، وما جرى للبرامكة من الرشيد، وسجل ابن الرومي نكبة البصرة حين هاجمها الزنج، وصارت مضرب المثل: (بعد خراب البصرة).
وكان الشعر الأندلسي جزءاً من حركة الشعر العربي، على اختلاف أزمانه، لكنه احتفظ بخصوصية ذات جوانب متعددة.

انعكاساً لحياة الناس

وهكذا صار الشعر الأندلسي على يد شعراء ذوي نباهة ووطنية ومسؤولية: انعكاساً لحياة الناس في بلدانهم الكبرى وقراهم وبواديهم.
وصار للشعر مهمة احتضان وجدان الناس وعواطفهم وآمالهم وشكاواهم، نزل الشاعر إلى الناس، وصار واحداً منهم، وكان صوتهم، وخاطبهم بما ينفعل في نفوسهم.
في المكتبة العربية كتاب، فيه جدّة وطرافة، وفهم متقدم لحركة الشعر العربي، ولا أعرف له نظيراً على هذه الصورة التي جاء عليها، هو كتاب الأستاذ الدكتور شوقي ضيف المعنون: «الشعر وطوابعه الشعبية على مرّ العصور»، وكان أصل الكتاب محاضرة ألقاها في إحدى الجامعات العربية، ثم صارت- بعد تطويرها- كتاباً جديداً من كتبه الكثيرة النافعة.
ويتوقف مؤلف الكتاب عند الأشكال الشعرية الجديدة التي ابتكرها الأندلسيون منها الموشح حيث ظهر لأول مرة في قرية تسمى قبرة تقع بالقرب من قرطبة وحظي باهتمام الحكام والولاة والكبراء فضلاً عن عامة الشعب ومن ثم ظهر بعده الزجل الأندلسي.

غرض الرثاء

ويتوسع الداية بالحديث عن غرض الرثاء في الشعر الأندلسي الذي تناول موضوعات جديدة غير مطروقة سابقاً من رثاء الشباب والحياة والزوجة والمدن والممالك مثل عبد اللـه الموروري الذي رثى مدينة الجزيرة الخضراء بعد هجوم النورمانديين عليها وابن العسال الذي رثى طليطلة وأبي البقاء الرندي الذي رثى مدن الأندلس إثر سقوطها بيد القشتاليين.
وسبق الشعر الأندلسي نظيره المشرقي باختراع أغراض شعرية غير مسبوقة من نظم السيرة النبوية حيث كتب ابن أبي الخصال قصيدة في ذكر نسب الرسول عليه الصلاة والسلام ومعجزاته ومناقبه كما كتب الأندلسيون رسائل شعرية إلى الديار المقدسة.

كما ظهرت الدعابة الساخرة في قصائد العديد من الشعراء الأندلسيين مثل يحيى الغزال وابن عبد ربه وابن الطراوة.
ويذكر أن المؤلف الدكتور محمد رضوان الداية من مواليد دوما 1938 وهو حاصل على إجازة في الآداب من جامعة دمشق عام 1960 وعلى درجتي ماجستير ودكتوراه من جامعة القاهرة ولديه أكثر من 70 كتاباً في التأليف والتحقيق, حائز جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وعضو مراسل في مجمع اللغة العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن