ثقافة وفن

أعماله مهداة إلى دار الأسد للثقافة والفنون … ياسر المالح.. الشاعر والموسيقي والخطاط والمخرج والمحاضر والباحث

| وائل العدس

أهدت زوجة الفنان الراحل ياسر المالح، السيدة أمل خضركي، مجموعة من أعماله الأدبية والموسيقية إلى دار الأسد للثقافة والفنون، لتكون منبراً لجميع الراغبين بالاطلاع عليها أو دراستها أو الاقتباس منها.

وأكدت خضركي أن ثلاث محطات شكّلت البصمة الأبرز لزوجها في عالم الفن والثقافة، كانت أولها البرامج التعليمية التي قدّمها في التلفزيون بالأبيض والأسود، ثم برنامجه التربوي الشهير «افتح يا سمسم» الذي كتب له واستقطب من خلاله كبار الكتّاب في الوطن العربي، منهم خضركي بنفسها التي كتبت في الجزء الثالث.

وأضافت: أما نادي الاستماع الموسيقي فكان حالة مميزة قدّم فيها الراحل خلال ثلاث عشرة سنة أمسية موسيقية أسبوعية مجانية في كل من مركز ثقافي أبو رمانة ومجمع دمر الثقافي، حلل فيها وشرح عن توافق الكلمات مع الموسيقا العربية والشرقية صعوداً وهبوطاً.

وشددت أنها اختارت إهداء مجموعة الأعمال لدار الأوبرا باعتبارها صرحاً حضارياً عظيماً، يقدّر قيمة هذا الإرث الثقافي والأدبي والفني.
مدير الدار المايسترو آندريه المعلولي قدّم لها شهادة تقدير، وعبّر عن سعادته لإضافة أعمال الفنان الراحل ياسر المالح إلى مكتبة دار الأوبرا الموسيقية.

هدية ثمينة

وتتضمن المكتبة المهداة مجلدين نادرين عن روائع الفن الإسلامي والآثار العربية في إسبانيا، وفهرساً قديماً حسب الأحرف الأبجدية لأغانٍ قديمة لمطربين راحلين كعمه مؤسس المسرح السوري وصفي المالح، بالإضافة لفهرس أشرطة ومسجلتين بكرات قديمتين ونادرتين.
كما تضمن الإهداء كتباً ومجلات أدبية ونفسية ودينية وموسيقية وإنتاجه التلفزيوني والإذاعي منذ أن كان عمره 17 عاماً إلى 80 عاماً ومكتبة موسيقية شاملة أجنبية وعربية منوعة ومحاضرات مكتوبة اجتماعية وأدبية وموسيقية وتعليمية كان قدمها في المراكز الثقافية والمنتديات بدمشق والمحافظات، ودراسات وأبحاثاً عمل عليها ومنها ملف كامل عن الخط العربي يتضمن توثيق أسماء الخطاطين ونماذج من أعمالهم وأشكال الخط، بالإضافة إلى كتب من تأليفه وكتب مشتركة مع الكاتبة خضركي.

قامة شامخة

ولد الراحل المالح في 19 أيار عام 1933 في دمشق، وتوفي في كانون الأول عام 2013، ويُعتبر من أشهر الكتاب والملحنين والخبراء في الإعلام البرامجي والتربوي.
هو قامة شامخة وعلَم بارز، تميز بصفات عدة قلما توجد في شخص واحد، فهو الشاعر والموسيقي والخطاط الذي تدرب على يد بدوي الديراني خطاط بلاد الشام.
أحب الموسيقا وهو جنين في بطن أمه التي كانت تعزف على آلة العود فتشرَّب حب الموسيقا، وفي الجامعة كان أول من أسس فرقة موسيقية جامعية، ثم نظم ولحن أغاني للمطربين.
كان معروفاً بدقته وتنظيمه في العمل انطلاقاً من إيمانه بمقولة «اتقن عملك تهزم عدوك» ولذلك كان يقضي معظم وقته في غرفة مكتبه، يعيش مخاضاً عسيراً لأفكار تجول بخاطره، وكان طموحاً ونشيطاً وعنيداً في تحقيق أهدافه، والأهم أنه كان عاشقاً لدمشق.

تخرج في جامعة دمشق بقسم اللغة العربية عام 1957، واشتغل في بداية حياته مدرس لغة عربية للمرحلة الثانوية في دير الزور، ثم عمل كمدير امتحانات مساعد بوزارة التربية والتعليم منذ 1967 وحتى 1968، وشغل عدة مناصب منها «رئيس إدارة البرامج التعليمية ومؤسس التلفزيون التربوي بوزارة التربية»، وكان كبير كتّاب برنامج «افتح يا سمسم»، ومدير مشروع سلسلة الحضارة العربية الإسلامية التلفزيوني والإذاعي، ورئيس كتّاب برنامج «افتح يا وطني أبوابك» للأطفال.
في مجال المسرح أخرج عدة مسرحيات من أهمها مسرحية «شيء له ثمن» التي تتكلم عن ثورة الجزائر، ومسرحية «زوجة من هناك».

كمل ألف المالح العديد من الكتب والأبحاث من أهمها كتاب «السينما وأثرها في التربية الحديثة» عام 1958، وكتاب «الإذاعة والتلفزيون والإبداع الأدبي المعاصر» عام 1981، وكتاب «أثر وسائل الإعلام في الطفل العربي وسبل تطويرها» عام 1983 وكتاب «الفصحى والعامية في الإذاعة والتلفزيون بالوطن العربي» عام 1984.

قلم ونغم

كان الراحل يصف نفسه قائلاً: «نصفي قلم ونصفي نغم».. وكان يتكئ على أمرين في حياته، سعة الفكر التي جعلته رجلاً متنوعاً وغزيراً في مجالات عديدة، والأمر الثاني الطرافة التي كانت القاسم المشترك في كل أعماله المقروءة والمسموعة، فأسر النفوس وجذب القلوب، وكان خير مصدر للسعادة، واستثمر هذه الصفات بكل إخلاص وتنظيم ودقة وإصرار على النجاح، فكان رجلاً بارعاً بظرافته وفصاحته وسهولة أسلوبه.

بدأ العمل في عمر صغير كخطاط للوحات التجارية، وفي عمر 17 بدأ العمل الإعلامي في الإذاعة والصحافة، فكتب تمثيليات للإذاعة السورية منذ عام 1956 وفي فترة لاحقة أصبح مؤلفاً لكتب مدرسية وأدبية ومخرجاً مسرحياً ومحاضراً وباحثاً وشاعراً وخطاطاً بارعاً وصاحب صوت جميل.
وهو أول من أسس البرامج التعليمية في التلفزيون السوري وأول من أعد برامج تلفزيونية لتعليم اللغة العربية لنشر الثقافة في مجال اللغة العربية مثل «أبجد هوز» وهو عبارة عن مشاهد فكاهية جعلت القواميس والمعاجم أشخاصاً تنطق، كما أنه أول من كتب فيلماً لرسوم الأطفال «أرض وسماء» على حين كان كبير الكتّاب في البرنامج الشهير «افتح يا سمسم» وأول من استخدم الكاميرا السينمائية في حلقة تلفزيونية كانت بعنوان «أنا الكاميرا» عام 1973 وهو أيضاً أول من حوّل كتاب «البخلاء» للجاحظ إلى مسلسل تلفزيوني.

ولأنه كان متنوع الثقافة كتب للتلفزيون برامج مبتكرة جداً مثل «مسافر، أبيض أسود، أبراج» وفي الإذاعة كان أول من كتب برامج لتعليم اللغة العربية مثل «حروفنا، دنيا الكلام» وبرامج موسيقية مثل «حديقة الأغاني»، وهو أول من اقترح أن تقام الحفلات والمسرحيات في الهواء الطلق، وكان أول من حاضر في مركز ثقافي أبو رمانة عن ملامح الأغنية العربية، كما لحَّن وكتب مجموعة من الأغاني، ورحل وهو يمتلك أهم وأغزر مكتبة موسيقية والعديد من الكتب والأبحاث.

إلى دمشق

خلال وجوده في أميركا، عصف به الشوق لدمشق وكتب لها أجمل ما لديه من القصائد ومنها «شامي الحبيبة» التي قال فيها: «طال ليل البعد والشوق ضرام.. فخذيني واحضنيني يا شام وامنحيني رشفة من بردى.. رشفة تشفي الصدي».
وفي قصيدة أخرى كان قد اشتد به الشوق أكثر فحاول أن يسجل عواطفه عبر موسيقا الشعر وشجنه فكتب: «أنا هنا في مغرب الشمس الحزينة.. وخاطري هناك في المدينة مدينتي الجميلة.. فاتنة تضج بالإثارة.. تعانق التاريخ والحضارة». وفي قصيدة بعنوان «رسالة إلى حبيبتي» يقول: «دمشقي الحبيبة.. لو كان ما في الكون ملكي وخيّروني.. لاخترت أن أحيا حياتي في الذرا.. من قاسيون».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن