اقتصاد

عطر المال..!

| هني الحمدان

لا يستطيع أحد على وجه الأرض مقاومته، نكهته ذات سحر خاص تجذب إليه كل البشر، عطره لا يقاوم، وكاذب من يدعي كرهه، هذا العطر الذي يتسابق تجاهه البشر، إنه المال يا سادة، الكل له خاضعون، وهناك خانعون ولاعقون، يصغرون ذواتهم كثيراً، والأدهى من كل ذلك أولئك الخائنون الذين يبيعون بلدهم وكراماتهم من أجل المال..!
لا مجال للدخول في قصص بني البشر مع المال، فيها من الغرائب والعجائب الشيء الكثير، هم نهمون إليه ويتفننون بطرق الحصول عليه، وكلما نالوا منه قالوا هل من مزيد..! كمن يشرب الماء المالح لا يرتوي أبداً..!
هذا حال أغلبية الناس مع المال، لا يحكمهم أي شيء دون سواه، سيطر على أفكارهم ونمطية تعاطيهم وأعمالهم ومشاغلهم، حتى علاقاتهم مع ذويهم وأحبابهم وأولادهم، الجميع يسعى بشتى الوسائل بطرق مشروعة وغير ذلك إلى «غب» العملة وأي عملة..!
ما يحصل على أرض الواقع وقائع مخذلة ومحزنة ويشوبها الكثير من التساؤلات المحرجة، كيف حصل فلان على هذا المال..؟ وما هي أملاك ذاك المدير الذي كان بالأمس حاكماً وراسماً لسياسات ونشاطات مؤسسته..؟! أو كيف لمسؤول أن يخرج من وظيفته ولديه ما لديه..؟! حتى الموظف العادي انحرفت بوصلته وراح يفتش كيف وكيف يستفيد أو يستغل أي منفذ ولو كان صغيراً..! وماذا كانت النتائج..؟ فالأمور عادة تقاس بمفرزاتها وما نتج عنها، فلا الخطط كان تنفيذها كما كان متوقعاً، وما أكثر ما سمعنا وناقشنا خططاً خمسية وأخرى عشرية، ناهيك عن رؤى واستراتيجيات النمو والتنمية، حتى بعض أدوات الرقابة والمحاسبة شابها نوع ما من الشوائب، ولا ندخل كثيراً في قصص دفع الرشاوى والواسطات، ويا ليت الأمر يقف عند الحد الذي وصلنا إليه، فكل خدمة هي مستحقة للمواطن لا بد أن يدفع ويتدخل للحصول عليها، فالوقائع كثيرة، وما أكثر الأسماء التي تورطت واستغلت نفوذها..!
هل تعتقدون أن مسألة تزوير العقارات وبيع الضمائر وقبلها تزوير الشهادات والتلاعبات الحاصلة ببعض المرافق الخدمية كمسألة العقود والمناقصات أصبحت من المنسيات؟ وما رأيكم بمليارات الليرات التي صرفت في قطاع التربية..؟
التاجر يحلف أغلظ الأيمان أنه يخسر، والمنتج يحسب حساباته باستمرار، والبائع كذلك يسن أسعاره كما يحلو له، الكل انشغل بكيفية الاستغلال، ليبقى الضحية بالمحصلة مواطن لم يعد قادراً على فعل شيء، وبات تأمين قوت عياله شغله الشاغل، وإزاء كل ذلك هل لنا أن نشعر صراحة بالاطمئنان على ما يجري وبعض ممن هم بموقع المسؤولية يستخدمون المسكنات بدلا من تقديم العلاج الصحيح، مشكلات تتفاقم وحلول قاصرة، ربما يقولون الدخل قليل، وهناك حرب وحصار خانقان، وهذا قد يكون صحيحا، لكن أن تستخدم هذه المسائل شماعات عن حالات تقصير وتسيب فذلك غير مقبول!
معالجة المسائل أولوية، وإنصاف الموظف أو صاحب الدخل المحدود لا بد منه لقطع الطريق أمامه كيلا يسرق، وصولاً إلى محاسبة أكبر فاسد، وإرجاع كل الأموال التي سلبت ونهبت هنا وهناك، وكثر هم المنتفعون ببعض المؤسسات والإدارات، الذين يبرعون في تمرير ما يشاؤون من صفقات لكسب المال..
في الصين مثل يقول: الأعمى يمكن أن يرى المال..
أما عندنا في بلداننا العربية فيقولون: الدراهم مراهم.
أبعدنا وإياكم عن مساوئ هذا العطر..!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن