قضايا وآراء

فرصة لا تعوض لمحاكمة إسرائيل

| تحسين الحلبي

في عام 2009 عينت الأمم المتحدة ريتشارد غولدستون وهو رجل قانون دولي من جنوب إفريقيا رئيسا للجنة تحقيق حول ما يمكن أن تكون إسرائيل قد ارتكبته من جرائم حرب في الحرب التي شنتها في كانون الأول 2008 واستمرت لشهر كانون الثاني 2009 ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وذهب ضحيتها أكثر من ألفين من المدنيين وما يزيد على ذلك من جرحى وكانت سمعة غولدستون ذات مصداقية في عمله بعد أن تولى التحقيق بنفس الموضوع في يوغوسلافيا وراوندا، وأصدر نتائج تحقيقه بإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وقدمه للأمم المتحدة، فأثار غضب إسرائيل، لأنه يهودي وحمل مصداقية عند معظم دول العالم باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة وعدد محدود من الدول، وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة نتائج تقريره وصوتت 114 دولة على قرار يقضي بمناقشته في مجلس الأمن الدولي واتخاذ الإجراءات المترتبة ضد إسرائيل ولم تعارض هذا القرار سوى 18 دولة، وحين حدد مجلس الأمن الدولي جلسة في 14 تشرين الأول 2009 لاتخاذ ما يلزم ضد إسرائيل طلب رئيس السلطة الفلسطينية تأجيل عرضه على مجلس الأمن إلى موعد آخر في آذار 2010 بعد ضغوط مارستها عليه إسرائيل والولايات المتحدة وذهبت إدانة إسرائيل وإمكانية فرض عقوبات عليها من مجلس الأمن الدولي أدراج النسيان.
في الأسبوع الماضي، اتخذت محكمة الجنايات الدولية في هيغ في هولندا قراراً يمنحها صلاحية قانونية دولية ملزمة للتحقيق في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الأراضي المحتلة، بما في ذلك تحديد الاستيطان كجريمة حرب ضد الإنسانية، وأقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها ضد المدعية العامة، باتو بن سودة، التي نجحت في الحصول على أغلبية داخل رئاسة المحكمة الجنائية الدولية لاعتماد هذا القرار وتنفيذه، والسؤال الآن هو هل ستفوت السلطة الفلسطينية على نفسها هذه الفرصة التاريخية بعد عشر سنوات على تفويت الفرصة التي أتاحها رسمياً ودولياً تقرير غولدستون في عام 2010؟
إن السيدة بن سودة ستنتهي صلاحية بقائها في منصبها القضائي في حزيران المقبل ولذلك تعين منذ الآن بموجب نظام عمل محكمة الجنايات الدولية، اختيار من يحل محلها بالانتخاب من بين القضاة الموجودين ففاز القاضي كريم خان، بريطاني الجنسية وزاد عدد الأصوات المؤيدة له عن الإيرلندي فيرجيل غينور، الذي تعده إسرائيل أكثر المدافعين عن الفلسطينيين، وذكرت الصحيفة الإسرائيلية «يديعوت أحرونوت» أن إسرائيل عملت على فوز كريم خان ووصفته بالبراغماتي، وعمل خان في السابق كمحامي دفاع عن نائب رئيس كينيا حين اتهم باستخدام العنف أثناء الانتخابات، وتمكن خان من إسقاط التهمة عنه بعد أن لم يجد الادعاء ما يكفي من الشهود، وحين ثار غضب منظمات حقوق الإنسان المحلية ضد هذا القرار ذكر المعارضون له أن الشهود امتنعوا عن الإدلاء بشهاداتهم بسبب التهديد الذي تعرضوا له.
وبغض النظر عما يمكن أن يسلكه خان في الموقع الجديد، بدا واضحا هذه المرة أن الحكومة الإسرائيلية وجيش احتلالها سارعوا إلى دق نواقيس الخطر على جنودهم، وكذلك على المستوطنين بسبب قرار محكمة الجنايات العليا الذي لا يمكن إلغاؤه، فقد نشرت «يديعوت أحرونوت» في 10 شباط الجاري مقالاً كتبه البروفيسور دانيال فريدمان وزير القضاء الإسرائيلي سابقا، تحت عنوان: «إذا كانت إسرائيل قلقة جداً من المحكمة فعليها إجراء تسوية مع الفلسطينيين»، حذّر فيه من خطورة قرار محكمة الجنايات الدولية لأنه يتيح للفلسطينيين تحقيق أهداف سياسية باسم الشكاوى لمحكمة هيغ، فالمستوطن في الضفة الغربية يعد منتهكا لحقوق الفلسطينيين وهو يقيم في مستوطنته لأن الاستيطان يعد بقوانين هذه المحكمة جريمة حرب لأنه يغير ديموغرافياً الأرض والسكان، وإسرائيل لا تستطيع الولايات المتحدة نفسها حماية مستوطناتها.
رئيس أركان قوات الاحتلال أفيف كوخافي حذر أول من أمس من قرار المحكمة الجنائية الدولية وخطورته على أداء قوات الاحتلال لأنهم سيترددون في قيامهم بمهامهم ضد المسلحين وأطفال الحجارة وسيشعرون بخوف من استدعائهم للاستجواب عند أي مهمة يصاب فيها فلسطينيون، وطالب كوخافي بقيام إسرائيل بحملة ضد هذه المحكمة ومنع أي صلاحية لها ضد الجيش الإسرائيلي.
في النهاية ألا يكفي كل هذا الخوف والحسابات الإسرائيلية لكي تبدأ السلطة الفلسطينية فورا وقبل انتهاء مدة مهمة السيدة ابن سودة في حزيران المقبل بإرسال وثائقها لمحاكمة الجناة الإسرائيليين وقبل أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بابتزاز من سيحل محلها وهي التي أعلنت أنه مقبول في هذا المنصب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن