ثقافة وفن

ثنائيات تمثيليّة جمعها الفن وبقيت محفورة في الوجدان … «أسعد وجودة» لن يخبو نجمهما وجماهيريتهما ليست سورية فقط

| سوسن صيداوي

ثنائيتنا اليوم ثنائية كوميدية انطلقت شخصية أصحابها من لوحة واحدة حملت عنوان: (جيران) في مسلسل «بقعة ضوء»، لتصبح فيما بعد محوراً أساسياً بنيت عليه حدودتة مسلسل «ضيعة ضايعة» بجزأيه الأول والثاني، من تأليف د. ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو المنتميين إلى جيل ناضج جاد في صناعة أعمال تلفزيونية شخصياتها تحكي لسان صانعيها. الثنائية تجمع كلاً من نضال سيجري في شخصية «أسعد خشروف» وباسم ياخور في شخصية « جوده أبو خميس»، في إبداعية، صحيح أنها لن تتكرر، لكنها تذكرنا بإبداعات آباء ومؤسسي المسلسلات التلفزيونية، وهي من دون أي مبالغة تمكنت من احتلال مرتبة في قائمة المسلسلات السورية الخالدة.

في الثنائية

كما أشرنا في أجزاء سابقة، إلى أن اختيار الثنائية في العمل الفني ليس بالأمر السهل سواء على المخرج أم الكاتب، فيجب أن يجمع أصحاب الثنائية كاريزما توفر كيمياء قوية جداً بينهما، تدل بطبيعتها على توافق فكري ومشاعري عالٍ، يعود على المشاهدين من خلال الفعل وردّاته التي تحكم علاقة الثنائية.
والشخصيتان (أسعد خشروف) و(جوده أبو خميس) جعلانا نصدق حقاً أنهما جاران، و(أسعد) هو الشخص الطيب والساذج والمعرض دائماً لخبث (جوده) الذي يستغل دائماً نقاء قلب جاره ويقحمه بالمقالب كي يسلبه نقوده.
فالكيمياء التي جمعت الشخصيتين منطلقة أولاً من الكاريزما العالية لكل من الفنانين، جعلتنا نركز على الكيمياء التي جمعتهما من أيام الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، ياخور في السنة الأولى وسيجري في السنة الرابعة، كما أن الموهبة التمثيلية الجبارة وظفها الاثنان بكل ما فيها من معطيات -هي حقاً احترافية- أكسبت الشخصية درجة قطعية في الإجادة والثناء من الجمهور، حتى إن الفنان الراحل نضال سيجري لقب عن هذا الدور من محبيه والنقاد بـ«تشارلي شابلن العرب».
والوفاء الذي يتصف به الفنان باسم ياخور جعله يرفض إطلاقاً إنتاج جزء ثالث احتراما لذكرى رفيقه سيجري، وبعيداً عن العواطف كان قراراً سديداً من فناننا وحتى من مخرج وكاتب المسلسل، فلا يمكننا التفكير أبداً بأن يكون هناك «ضيعة ضايعة» وقد فقدت ركناً مهماً من أركانها، فالفقد سيذكرنا دائماً بالفراغ الكبير المتروك، ومهما كان البديل أو حتى التبرير لتجميل الصورة، فإن الحقيقة ستكون ناقصة.
والجميل في البناء الدرامي للشخصيات أن الكاتب د. حمادة قد بنى الأحداث حول هذه الثنائية بطريقة لا تؤثر أبداً في شخصيات المسلسل الثابتة أو المتغيرة المشاركة في الجزأين، إذ إن نجوم العمل الآخرون لا تقل أهميتهم عن أهمية ثنائية (أسعد وجوده) وفي بعض حلقات الجزء الثاني تحتل بعض الشخصيات مساحة أكبر من ثنائيتنا، ويكون الحدث مبني عليها إلى جانب وجود الثنائية، وكلهم بطبيعة الحال ضحك الجمهور معهم وليس منهم.
ونضيف: إن كل الشخصيات المرسومة في العمل هي من صميم الواقع، صحيح أنه لا يمكن ملاحظتها بين آلاف البشر، لكنّ المؤلف تمكن من جمعها كلها مع بعضها ليضعها تحت المجهر، وبالتالي لنلاحظها ونعشقها.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن روح الإبداع التي يتمتع بها نجما مسلسل «ضيعة ضايعة» أثبتت أنها من أكثر الثنائيات الفنية نجاحا في العقد الأخير، كما حظيت بشعبية كبيرة ليس فقط على الصعيد المحلي بل أيضاً في جميع أنحاء العالم العربي، وتوقفت هذه الثنائية مع نهاية الجزء الثاني من المسلسل، ليرحل بعدها الفنان نضال سيجري بسبب مرض السرطان، وبرحيله تربع على قمة الخط البياني للمتابعات التي لا تمل بتكرار المشاهدة مرة تلو الأخرى مع متعة لن تخبو مهما طالت السنوات.

في المسلسل

أخيراً لابد لنا من القول إن فئة كبيرة تكهنت بأن جماهيرية مسلسل «ضيعة ضايعة» ستنحصر في المجتمع المحلي السوري، ولربما عزت السبب لصعوبة اللهجة التي يتناولها، ولكن شرح المفردات جاء فيه الكثير من الطرافة المنسجمة مع الحالة العامة التي يقدمها المسلسل، وخاصة بترجمتها باللغة العربية الفصحى، فلم تكن غريبة على الشاشة ما قربنا أكثر من المفردة بل ليدفعنا لتكرارها في أحاديثنا مع الآخرين، وهذه الحالة لم تنطبق علينا نحن كسوريين، بل أصبحت حال كل متابع للعمل في العالم العربي، وإلى اليوم يعتبر المسلسل من الأعمال الناجحة جداً والتي يتكرر عرضها في العديد من المحطات الفضائية، فالحالة الإبداعية لم تقتصر على الجزء الأول بل امتدت للثاني ولربما يعود السبب للاحترافية العالية ابتداء من النص إلى الإخراج والكادر التمثيلي وكل الطاقم التقني، فلم يكن بين الحلقات ما يمكننا أن نسميه شيئاً من التحشية، ولم يذهب كاتب النص أو مخرجه للمتاجرة بإضافة عناصر لا تليق بصلب حكايات واقعية طريفة بعيدة عن أي تكلف وبالطريقة نفسها طرحها في 27 حلقة من الجزء الأول، لا بل النجاح الكبير له حمّل الجميع مسؤولية بأن 30 حلقة من الجزء الثاني ستكون امتداداً لنجاح أصيل وليس مستنسخاً، وخصوصاً أن الجمهور المطالب بالجزء الثاني هو جمهور مطلع وأكثر معرفة لكونه هو المتابع والمفضل بين مئات الفضائيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن