قضايا وآراء

تدمير المقدسات الإسلامية في القدس

| تحسين الحلبي

حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السادس من شهر كانون الأول 2017 عن اعتراف الولايات المتحدة بمدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وأعطى أوامر تنفيذية بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، لم تقم الدول العربية والإسلامية الصديقة والحليفة للولايات المتحدة بأي إجراءات تتحدى فيها هذا الاستهتار الصارخ لمواقف ومشاعر هذه الدول وشعوبها أو تهدد باتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة والعمل على استعادة المدينة بكل مقدساتها إلى حاضنتها العربية التاريخية.
لقد حاولت واشنطن وتل أبيب معاً تصوير الانتهاك التاريخي الذي أعلن عنه ترامب ضد أمة يزيد عددها على مليار وثمانمئة مليون مسلم بل ما يزيد على مليارين من المسيحيين في العالم، مجرد مسألة بسيطة تتعلق بتوسع إسرائيلي ضم عدة كيلومترات في مدينة القدس المحتلة رغم أن المسألة أكبر من ذلك بكثير وأخطر بكثير لأن وضع مدينة القدس بكل ما فيها وما تعنيه تحت «سيادة» إسرائيل سيفتح باب انتقالها إلى تنفيذ الهدف الإستراتيجي الذي تعده الإيديولوجية الصهيونية وتسخيرها للدين اليهودي أهم هدف رسمته لمدينة القدس وهي تشييد ما يسمى «هيكل رب إسرائيل» وإعادة جميع يهود العالم إلى المدينة وفلسطين المحتلة تجسيداً لما يسمى «الأرض الموعودة» من الفرات إلى النيل فهذا الطموح في التوسع الإقليمي الهائل ترى الإيديولوجية الصهيونية أنه لا تتحقق فيه عودة جميع اليهود إلا حين «يبنى ذلك» الهيكل المزعوم على أنقاض المقدسات الإسلامية والمسيحية معاً لأنه بنظر هذه الدعوة الأسطورية «يتناقض كلية مع وجود كنيسة القيامة والمسجد الأقصى اللذين تلازم وجودهما دوماً في مدينة القدس».
يبدو أن أصوات ودعوات إسرائيلية تحمل خطاباً صهيونياً دينياً يهودياً بدأت تعد نفسها للإسراع في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي الذي وضع كغاية بعيدة المدى فقربه ترامب باعترافه بضم مدينة القدس لإسرائيل والحركة الصهيونية ويهود العالم «لكي يفعلوا بها ما يريدون».
نشرت صحيفة «ماكور ريشون» الإسرائيلية في السابع من شهر شباط الجاري دعوة من هذا القبيل بعنوان: «رسالة إلى الحاخامين ساعدونا» على إيقاف تدنيس اسم الرب في «جبل هيكل الرب» يطالب فيها حاييم عوزير حياط، كبار الحاخامين، بالتجمع في موقع ساحة هيكل الرب، والمقصود ساحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة، لإنهاء وجود المسلمين «في قدس أقداس إسرائيل وفتح طريق تخليص الإسرائيليين مما يتعرضون له من أزمات كورونا بدأت تميت الحاخامين «حراس عهد الرب» وبعد تزايد التهديدات المتصاعدة ضدهم»، وتضيف هذه الرسالة: وربما هذا هو الوقت المناسب للتجمع في تلك الساحات ومنع الفلسطينيين من دخولها وتنفيذ فريضة رب إسرائيل القائلة «وعند ذلك ترون ما أفعل» وتضيف الرسالة: «وعند ذلك سيستجيب رب إسرائيل لنا ويخلصنا من كل ما نشهده» ويختتمها قائلاً: «إن أبناء إسرائيل يناشدون جميع مسؤولي جيلنا بتوجيهنا نحو هذا الهدف في هذا الزمن الصعب».
هذه الرسالة تشكل مثالاً واضحاً على الهدف النهائي لضم مدينة القدس العربية الفلسطينية بكل مقدساتها لهذا الكيان الإسرائيلي ولن تتوقف مثل هذه الدعوات واستغلال كل مصادر الإرهاب الإسرائيلي لتحقيق هذه الغاية التي افتتحت فيها إدارة ترامب هذه البوابة. ويبدو أن ترامب كان يدرك حين أعلن عن دعوته لإسرائيل بضم القدس أنها خطوة على طريق تدمير المقدسات الإسلامية والمسيحية لهذه الأمة وها هي إدارة أميركية جديدة برئاسة بايدين تسير على طريق ترامب في موضوع القدس وتوافق على قراره من دون أن تتحرك الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة وتطالب بإلغاء هذا القرار الذي لم تؤيده معظم دول العالم، على حين أن إسرائيل سارعت إلى تأليب ترامب حين فاز بالرئاسة عام 2016 وطالبته بإلغاء الموافقة الأميركية على «اتفاقية خمسة زائد واحد» للموضوع النووي الإيراني التي شارك الرئيس باراك أوباما بوضعها ووقعها مع بقية الدول وأعلنت إسرائيل عن رفضها لها في ذلك العام، وقام ترامب بإلغاء موافقة واشنطن عليها وشن كل أشكال الحرب والحصار على إيران، فهل تطالب تلك الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة بايدين بإلغاء هذا الاعتراف أسوة بمواقف وسياسة معظم دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن