ثقافة وفن

جورج طرابيشي رجل الفكر والتنوير … الأيديولوجيات على الساحة الفكرية العربية قادته للاهتمام بالتراث العربي الإسلامي

| سوسن صيداوي

صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت قائمة دراسة ومختارات، الكتاب «جورج طرابيشي رجل الفكر والتنوير» للمؤلف د. غسان بديع السيد، والهدف من هذا الكتاب هو إعادة إحياء ذكرى الرجل في وجدان من يهتم بنهوض هذه الأمة من كبوتها، بعد أن تم تجاهله مدة طويلة على الرغم من غزارة إنتاجه تأليفا وترجمة، بالإضافة إلى عمق هذا الإنتاج لأن صاحبه كان يحمل هماً كبيراً، ولديه مشروع ثقافي تنويري حقيقي. وقد يكون هذا الكتاب بداية لمجموعة من الأعمال حول الرجل الذي نذر حياته للكتابة والترجمة. هذا وإن استخدامه للتحليل النفسي في دراساته عن الرواية العربية يستحق وقفة مطولة بسبب غنى هذه التطبيقات وعمقها وفرادتها في الدراسات النقدية العربية.

أقسام الكتاب

قسم د. غسان بديع السيد الكتاب إلى قسمين، يتناول القسم الأول منه دراسة بعض أعماله وعرضها ولاسيما المتعلق منها بالتراث الذي كان شغله الشاغل بسبب أهميته في حاضرنا ومستقبلنا. وقد عمل على بيان التناقض الكبير الذي وقع فيه المشتغلون بالتراث ولاسيما عابد الجابري في مشروعه (نقد العقل العربي).
أما القسم الثاني فقد خصصه المؤلف لعدد من الأبحاث التي نشرها طرابيشي سابقا، كونها ما زالت – بحسب المؤلف- مؤثرة وضرورية في الوقت الراهن، وأكثر من أي وقت مضى.

من النشأة

لم يلق جورج طرابيشي الاهتمام الذي يستحقه بوصفه أحد أهم رجال الفكر والتنوير في الثقافة العربية بسبب إقامته في فرنسا أربعين عاماً، ولكن لابد من الإشارة إلى أن طرابيشي من مواليد مدينة حلب، ودرس في مدارسها ثم انتقل إلى دمشق كي ينتسب إلى جامعتها، حيث تخرج منها بعد حصوله على إجازة في اللغة العربية، ثم حصوله على درجة الماجستير في كلية التربية.

أما عن المناصب التي شغلها، فلقد عمل مديراً لإذاعة دمشق، ورئيساً لتحرير مجلة دراسات عربية، ومحرراً رئيسياً لمجلة الوحدة. ثم انتقل إلى لبنان وعاش فيه قبل أن يغادره بسبب الحرب الأهلية إلى فرنسا التي عاش فيها إلى أن وافته المنية في باريس عام 2016.

التراث مع طرابيشي

اهتمام جورج طرابيشي بمسألة النهضة العربية والتقدم دفعه إلى تخصيص جزء مهم من حياته للبحث في قضايا التراث لما لهذه المسألة من أهمية كبيرة في تحديد توجه الأمة في اللحظة الراهنة التي تواجه بها خيارات صعبة ومصيرية. وبحسب المؤلف كان يعي طرابيشي تماما أن طريقة الأمة في التعامل مع تراثها تشكل الخطوة الأولى نحو التقدم أو البقاء على هامش التاريخ، لأن هذا التراث لا يزال حاضراً في وجدانها، يؤثر فيها ويمدها بقيمها، ويحدد تصوراتها، ويوجه سلوكها. المجتمعات العربية والإسلامية مجتمعات تراثية تعيش في الماضي وللماضي» وهي التي يكون فيها تراثها ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويكون دينها وفلسفتها وأسلوب حياتها، ويكون بديلا عن واقعها وفكرها، ويقوم مقام عملها ومعرفتها… فالتراث قيمة في حد ذاته يُحرص عليها ولا يمكن تناولها بالنقد أو التغيير. التراث مصدر القيم، وهو في حد ذاته قيمة روحية».
وأشار د. غسان بديع السيد إلى أن طرابيشي تناول مسألة التراث بوصفها عاملاً حاسما في تحديد التوجهات المستقبلية للأمة من زاوية مختلفة عما فعله كثير من الباحثين المشتغلين بالتراث، لأنه أراد أن يوصل آراءه عبر تحليل مجموعة أعمال لبعض المشتغلين في هذا المجال، مثل محمد عابد الجابري ومحمد عمارة وزكي الأرسوزي وزكي نجيب محمود وغيرهم، وذلك في كتابه (مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة).

الجابري مع طرابيشي

العلاقة ما بين جورج طرابيشي ومحمد عابد الجابري علاقة خاصة لأن طرابيشي أمضى أكثر من عشرين سنة في عوالم وأبحاث المفكر الجابري، وذلك بعد أن تنقل بين الأيديولوجيات المختلفة التي كانت معروفة على الساحة الفكرية العربية، من القومية العربية إلى الوجودية والماركسية وانتهاء بالتحليل النفسي لفرويد الذي ترجم له أكثر من ثلاثين كتاباً، هذا وقادته المصادفة إلى الاهتمام بالتراث العربي الإسلامي بعد أن قرأ كتاب الجابري فأثار دهشته، وفتح له أبواب التراث العربي الإسلامي إلى حد أنه نصبه بديلاً عن أب مثالي. وأخيراً يأخذ طرابيشي على الجابري انتقائيته في اختيار مواد تحليله مما يناقض المنهج الذي يريد تطبيقه في تحليله لبنية العقل العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن