قضايا وآراء

حوار فلسطيني على إيقاع الخارج

| عبد المنعم علي عيسى

لربما يمكن الجزم بأن أحد أهم موجبات «الحوار الوطني الفلسطيني» الذي انطلق في القاهرة يوم الثامن من شهر شباط الجاري واستمر يومين فقط، هو ملاقاة الرياح الأميركية الجديدة التي ما انفكت تطرق اتجاهات عدة، وهي في جزء منها طرقت الوجهة الفلسطينية، حيث من المقدر لهذا الطرق الأخير عبر الأثر الذي ستتركه في هذا الاتجاه، أن تكون ذات تأثيرات طاغية في عموم المنطقة، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيظل، ومهما خبا وهجه، مركز الصراع الدائر في المنطقة، بل جذره الأهم، أقله على امتداد جيلين لاحقين، وما يدفعنا إلى هذا القول الأخير، هو المتغيرات الحاصلة، بدفوعات داخلية وكذا بفعل تأثيرات خارجية، على الأجيال التي باتت تطغى عليها نزعة ليبرالية لا تقيم كثير اعتبار لجذور الصراع الدائر منذ ما يزيد على سبعة عقود، وإنما تجد نفسها معنية بمخرجاته، بل لا تتبنى النظرة السابقة نفسها، التي كانت سائدة على امتداد نصف قرن سابق من الزمن، لكيان الاحتلال الإسرائيلي، هذه النزعة كما تشير الوقائع تبدو وكأنها آخذة بالتنامي في العديد من المجتمعات العربية، وإن كانت لم تتسيد المشهد فيها بعد، بينما رهان الخارج هو على حدوث هذا الفعل الأخير في غضون جيل أو جيلين على الأكثر، قياساً إلى حالة الحيوية النشطة التي تبديها تلك النزعة ما يعزز احتمال ذلك التسيد المأمول.
كان على جدول أعمال جلسات الحوار، التي حضرها 13 فصيلاً فلسطينياً تمثل جل القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية حتى ليكاد ذلك التمثيل أن يكون شبه تام، وذاك وحده كان يمثل فرصة نادرة للوصول إلى توافق ولو بالحد الأدنى عند البنود التي احتواها ذلك الجدول الذي تعمد تغييب التفاصيل التي تمتلك طبيعة انفجارية لصالح التركيز على الخطوط العريضة، والجدول احتوى على ثلاث مسائل رئيسة:
– سير العملية الانتخابية لانتخابات المجلس التشريعي المقرر إجراؤها في شهر أيار المقبل، وتلك نقطة مفصلية يدرك الجميع أنها تشكل مصلحة وطنية عليا، والمشاركة الواسعة فيها من شأنها أن تعزز الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تعترض قضيته.
– الوسائل الكفيلة بإنهاء الانقسام الجغرافي، وكذا السياسي، الحاصل ما بين قطاع غزة والضفة الغربية، والذي تكرس واقعاً لا يمكن تجاهله منذ العام 2006.
– مسألة المفاوضات المفترضة ما بين السلطة الفلسطينية وبين سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ظل متغير مهم تمثله الطروحات التي تحملها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي الذروة منها تبنيها لفكرة إحياء مسار الدولتين.
قولاً واحداً، تشكل هذي المسائل المدرجة على جدول الأعمال قضايا مصيرية، ودون التوافق على الخطوط العريضة فيها لا تعود هناك جدوى من أي حوار، ولربما كان أكثر ما يؤخذ على هذا الأخير هو المدة التي كانت من القصر بحيث يصعب تعزيز التلاقيات، ومدة اليومين لربما كانت قادرة على القيام بفعل من هذا النوع الأخير فيما لو كانت هناك حوارات ثنائية بين شتى الفصائل سابقة لانعقاد ذلك الحوار، حتى الحوار ما بين حركتي حماس وفتح، وهما أثقل الفصائل الثلاثة عشر التي حضرت ذلك الحوار، لم ينطلق إلا في اليوم السابق فقط لهذا الأخير.
لم يفض الحوار إلى المرامي التي كانت مرجوة منه، والبيان الختامي الذي صدر في اليوم الثاني، أي 9 شباط الجاري، وإن اتسم بإيجابية توحي بحلحلة العديد من النقاط الخلافية، أقله بين أغلبية الفصائل، إلا أنه لم يستطع أن يحقق حالة جامعة كانت مطلوبة في مرحلة هي الأصعب مما يعترض القضية الفلسطينية، والتوصيف هنا ربما يفرضه واقع عربي ما انفكت دوله تتهاوى الواحدة تلو الأخرى في مستنقع يفوق في عمق قراره ذلك الحاصل لمصر منذ العام 1979، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحفظت على الأساس الذي يمكن أن تجرى عليه الانتخابات المقبلة، بينما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها لن تشارك فيها على الإطلاق، لكن حتى هذه يمكن حلحلتها، أو النظر إليها على أنها لن تكون مدعاة لشرخ كبير يمكن أن يوسع الشقوق الحاصلة منذ أوسلو 1993 فصاعداً، أما النقطة الأهم التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الفعل الأخير، فمن الممكن أن نشهدها إذا قررت السلطة الفلسطينية منفردة، هكذا ومن دون موافقة باقي الفصائل الفلسطينية، العودة إلى مفاوضات مباشرة مع سلطات الاحتلال استجابة للإيماءات الأميركية التي ما انفكت تحاول إغراء السلطة الفلسطينية بأن تفعل.
لربما كان الواقع السياسي الفلسطيني أحوج ما يكون الآن لتحديد موقع اتفاق أوسلو بالنسبة للقضية الفلسطينية، ثم الإجابة عن أسئلة تبدأ بـ«هل لا يزال ذلك الاتفاق حياً»؟ ثم هل هو قابل للاستمرار بالحياة إذا ما كانت الإجابة بنعم عن السؤال الأول، وهل لا يزال يملك المشروعية التي يمكن البناء عليها للسير في طريق قيام الدولة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن تل أبيب سوف تتعامل مع مرحلة الرئيس جو بايدن، التي ستستمر لأربع سنوات على الأقل برجاء ألا تتضاعف تلك المدة، بطريقة «الانحناء» لا «الانكسار» حيث من الممكن للفعل الأول أن يعزز فعل المماطلة الذي يمكنها من تمرير تلك المدة بأقل الخسائر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن