في ساحلنا الأصيل، وربما الفكرة موجودة في كل المناطق السورية، يروي «ختايرتها» حكاية تلك القرية التي اعتمدت مبدأ التكافل في عمل الخير عبر صندوقٍ يجمعون فيه المال، يذبحون من خلاله الأضحية لتوزّع على الفقراء، لم يكن مهماً بكم ستشارك المهم هو مصدر المال، فلو كان هناك شك بمصدر أموالك لتمّ منعك من المشاركة.
أتذكّر هذه القصة مع كلّ مرة تعود فيها حكايات النصب والاحتيال المبنية على جمع الأموال من الناس بهدف «توظيفها» مقابل راتبٍ شهري، أو شراء عقارٍ لأتساءل: أين كنا؟ وأين أصبحنا؟
بالتأكيد لابد من العمل لمنع تكرار هذه الحوادث عبر القنوات القضائية، فالمواطن الذي يعي حقوقه وواجباته يتحيّز لمصلحة تطبيق القانون، وفي مجتمعاتنا تحديداً فإننا نحتاج إلى التشدّد باللغة القانونية كي لا تمثّل نقطة ضعفٍ لأي نص قانوني، فتفتح المجال للاجتهادات وبالتالي تفريغ النص من هدفه الأساس، وبذات السياق فإن مسؤولية تطبيق القانون هي حصراً بيد الجهات التي أوكل لها المشرّع تطبيقه، فالمواطن لا يمكن له أن يتحول إلى سلطة تنفيذية، هذا الكلام يضعف هيبة الدولة.
لكن بواقعيةٍ تامة هناك من يتحدّث وبشكلٍ صريح عن فقدان الثقة بقدرة المسار القضائي على تطبيق التشريعات القانونية بحق المتجاوزين، وصولاً لربط هؤلاء بنافذين سيخرجونهم أبرياء، قد نتفهم فقدان الثقة هذا ولكنه بالنهاية وفي الحقوق الشخصية تحديداً لا يستطيع الذهاب بعيداً في أروقة الفساد كما الحق العام، كما أن فقدان الثقة هذا لا يمكن له أن يكون مبرراً لاستعراض العضلات في الساحات. علينا جميعاً أن نتساعد للتقليل من أثر عمليات النصب والاحتيال تلك عبر التكثيف من حملات التوعية التي تستهدف حالات هكذه عبر مناحٍ ثلاث:
المنحى الأول وهو منحى استثماري، حتى لو صدق الشخص الذي يقوم بتوظيف هذه الأموال والتزم بإعطاء صاحب المال مبلغاً شهرياً كأرباحٍ أو «فوائد» لا فرق، إلا أن صاحب المال عملياً يخسر على المدى الطويل لأن رأس المال لديه ثابت، ما القدرة الشرائية لليرة السورية مطلع الألفية الثانية، وما الذي تشتريه عشية ثورة الناتو الدموية؟!!
المنحى الثاني وهي فكرة الاتكالية والتعود على الربح الجاهز، هناك من يمتلك المال لكنه لا يعلم كيف يوظفه وربما تكون هذه الحالات مرتبطة بالبيئة التي تفرض «جبناً» في الاستثمار الذي يرتكز على العقار والأراضي، ماذا لو أنشأنا هيئة عامة تعنى بتوجيه هؤلاء الذين يمتلكون المال ولا يمتلكون الأفكار!
المنحى الثالث وهو عملياً ارتباط غير مباشر بالجريمة، المقاربة هنا بسيطة فعندما تضع أموالك عند شخصٍ ما فأنت لست شريكاً قانونياً ولا تمتلك أسهماً، حتى إنك قد تجهل ما يقوم به من أعمال من تحت الطاولة، هنا تكمن المشكلة، قد نكون شركاء بجرائم وتجاوزاتٍ من دون أن نعلم، قد نساهم ببيع المخدرات أو إدارة بيوتٍ للدعارة ونحن مستسلمون للربح الجاهز!
في الخلاصة: نعلم أن الأوضاع صعبة على الجميع، لكن هذه المشكلة عمرها عقود وليست وليدة الحرب ولا نعلم ما الحل المنطقي لها، هل يكون بالتشدد بالعقوبات على المساهم كما على جامع الأموال عسى يتعظ الجميع؟ ربما، لكن وقبل كل شيء فكروا بما زرعه فينا أجدادنا: لا عمل خيّراً من دون معرفة مصدر الأموال؟!