من دفتر الوطن

الكهرباء و«عمل الشيطان»!

| حسن م. يوسف

وصف العلماء الطاقة النظيفة بأنها «هدية من الطبيعة وفرصة لحياة أفضل». والطاقة النظيفة، كما هو معروف، هي الكهرباء المولدة من الشمس والرياح والمياه، وهي توصف بأنها نظيفة لكونها لا تلوّث البيئة والغلاف الجوي بدخان الفحم والنفط ومشتقاته.
أصارحكم أنني كلما مررت بتلك المساحات الشاسعة المقفرة بين حمص ودمشق أجد نفسي في مواجهة سؤال لا يكف عن النمو في داخلي: لماذا لم يستفد وطننا السوري من هذه المساحات الشاسعة المهملة في توليد الطاقة النظيفة حتى الآن؟ والحق أن هذا السؤال يعدو في رأسي كجرذ مشتعل كلما وصلت إلى ما بين القصير وحمص حيث تنمو جميع الأشجار مائلة في اتجاه واحد نتيجة هبوب الرياح الشديدة طوال العام. ويبلغ شعوري بالحسرة مداه الأقصى عندما أتذكر أنني قد كتبت قبل نحو ثلاثين عاماً عن هذا الموضوع مطالباً الجهات المعنية بتحويل «فجوة حمص» إلى مزارع توربينات لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، نظراً لأن الكهرباء المنتجة من الرياح هي الأقل كلفة بعد الكهرباء المنتجة من طاقة المياه.
بنيت أول مروحة لإنتاج الكهرباء في حزيران 1887على يد البروفيسور الاسكتلندي جيمس بليث الأستاذ بكلية أندرسون في غلاسكو. بغية إنارة كوخه الريفي في بلدة ماريكيرك، والطريف في الأمر هو أن البروفيسور بليث عرض على جيرانه إنارة الشارع الرئيسي في البلدة بالكهرباء التي تزيد عن حاجته، إلا أنهم رفضوا العرض لاعتقادهم أن الكهرباء من «عمل الشيطان»!
وقد ظلت الطاقة النظيفة محاطة بالغموض وإشارات الاستفهام لفترة طويلة، لكن ظاهرة الاحتباس الحراري والتلوث البيئي التي تفاقمت خلال النصف الثاني من القرن الماضي، دفعت البشر للبحث عن مصادر طاقة بديلة نظيفة، وهكذا تطورت تكنولوجيا استخدام الرياح لتوليد الكهرباء حتى أصبحت أسرع مصادر توليد الكهرباء نمواً على الصعيد العالمي. كما تطورت بسرعة المحولات الفولت ضوئية التي تقوم بتحويل ضوء الشمس المباشر إلى كهرباء.
وقد أشار الدكتور محمد رقية في بحث نشره مؤخراً إلى أن: «… ألمانيا تنتج أكثر من 42 بالمئة من كهربائها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على الرغم من أن الشمس لا تسطع عندهم أكثر من شهرين في السنة» ومع أن الإمارات من الدول الرئيسية المنتجة للنفط إلا أن ترتيبها هو الثالث بين دول العالم في إنتاج الطاقة الشمسية. أما الصين فتعتبر الرائدة عالمياً في مجال توليد الكهرباء من الرياح ومن المقرر أن تلبي جميع احتياجاتها من الكهرباء من طاقة الرياح في عام 2030.
والحق أن قيادة دولتنا لم تكن غافلة عن أهمية الطاقة النظيفة المتجددة، فقبل عامين من اندلاع الحرب التي تشنها الفاشية العالمية على سورية صدر قانون «يسمح للقطاع الخاص بإنتاج الطاقة الكهربائية المتجددة» كما صدر قرار عن رئاسة الوزارة يسمح للمستثمرين ببيع ما ينتجونه من كهرباء للدولة بأسعار تشجيعية، لكن الأمر اقتصر، حتى الآن، على مروحة عاملة وأخرى قيد الإنشاء.
وقد أشار د. محمد رقية في بحثه إلى دراسة نشرت حديثاً في مجلة الفيزياء الصادرة عن جامعة سانت بطرسبرغ جاء فيها «… أن سورية تمتلك إمكانات هائلة من الطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث أشارت الدراسة إلى أن الإمكانات التقنية لتوليد الكهرباء في سورية تبلغ 490 تيرا واط ساعي سنوياً» وهو ما يتجاوز الحد الأقصى لاستهلاك الكهرباء بنحو 12مرة.
خلال السنوات الماضية استورد تجار الأزمة عندنا، كمية من المولدات والبطاريات والليدات يكفي ثمنها لإنشاء عدة مزارع للطاقة النظيفة، ولو تم ذلك لكان من شأن تلك المزارع أن تحل أزمة الكهرباء أو أن تخفف من وطأتها إلى حد كبير. وهذا يضعنا وجهاً لوجه أمام سوء الإدارة الذي هو، برأيي، أسوأ من العمالة. لأن العميل يمكن أن يكشف ويعاقب، أما الإداري السيئ فلا يعاقبه أحد، رغم أنه غالباً ما يكون مكشوفاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن