قضايا وآراء

سرقات نفطية موصوفة

| أحمد ضيف الله

نحو خمسة أشهر مضت، وأكثر من 300 اجتماع عقدته اللجنة المالية النيابية مع مختلف الفعاليات، ولا يزال مشروع قانون الموازنة المالية العامة المقدم من الحكومة العراقية يتأرجح بين مجلسي الوزراء والنواب، لتعنت ومراوغة حكومة إقليم كردستان بشأن نسبة حصتها من الموازنة، وكيفية تسليم نفط الإقليم وتسديد مبالغ واردات منافذه الحدودية إلى الحكومة المركزية.
نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة نوري المالكي السابقة حسين الشهرستاني قال في مؤتمر «صناعة النفط في العراق بعد عشر سنوات من الإنجاز» في 2 شباط 2014: إن «منطقة الإقليم ما زالت منطقة رمادية لا نعرف كيف يتم فيها الاستخراج أو الإنتاج أو التصدير»، مؤكداً أن «العراق لم يستطع لغاية الآن التوصل إلى اتفاق وطني لاستخراج وتسويق النفط في كل مناطق العراق بسبب العقود التي وقعت من قبل الإقليم مع بعض الشركات النفطية من دون علم وزارة النفط والحكومة الاتحادية»، لافتاً إلى أن «النفط المستخرج هو ملك لجميع العراقيين، وبالتالي فإنه يجب أن يسلم للحكومة وتسويقه وبيعه وفقاً للآليات المتبعة من شركة تسويق النفط العراقية «سومو»، وأن توضع الإيرادات في صندوق التنمية، وأن يتم صرف الموازنة على جميع المحافظات وحسب النسبة السكانية لكل محافظة».
عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق، قال هو الآخر في مؤتمر صحفي في 2 حزيران 2019 عقب اجتماع لمجلس الوزراء: إن «إقليم كردستان لم يسلم الحكومة الاتحادية برميل نفط واحد كما نصت عليه بنود الموازنة»، حيث كان الإقليم قد تعهد بتسليم بغداد 250 ألف برميل نفط يومياً.
إن إقرار مقدار حصة إقليم كردستان في الموازنة العامة هي مشكلة دائمة ومتكررة منذ أكثر من 15 عاماً، وهي لم تحل لعدم التزام حكومة الإقليم بما يتم الاتفاق عليه في كل مرة، معتمدة على الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى في الضغط والتحايل والمراوغة لتمرير حصتها في الموازنة وتسويف ما يتم الاتفاق عليه.
حكومة إقليم كردستان لم تكن تقوم بتهريب وبيع نفط الإقليم فقط، بل كانت قد باعت أيضاً نفط كركوك والحقول العراقية الأخرى التي احتلتها البيشمركة في محافظة نينوى (كلك، بعشيقة، الشيخان، القوش، زمار، ربيعة) وكلها خارج حدود الإقليم، بعد انسحاب القوات العراقية من تلك المناطق، لانشغالها بقتال تنظيم داعش الإرهابي في المحافظات العراقية الغربية قبل معاودة طرد البيشمركة منها، وذلك بضخ النفط المنهوب إلى ميناء جيهان التركي، ومن ثم شحنه عبر نواقل بحرية ليباع نقداً أو بالتقسيط المريح، بتسهيل ورعاية من الحكومة التركية، التي كانت حكومة نوري المالكي الثانية قد تقدمت في أسابيعها الأخيرة بشكوى ضدها لدى محكمة تجارية دولية في باريس، مطالبة تركيا بتسديد نحو 26 مليار دولار، كأضرار ناجمة عن قيامها بتسهيل تصدير النفط المهرب من دون موافقة الحكومة العراقية.
الدعوة القضائية بحق تركيا جمدها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في نهاية 2014، ثم عاد وفعلها في مطلع 2017، فأوقفها رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي، إلا أنه في 17 كانون الأول 2020، فعلت حكومة مصطفى الكاظمي الدعوة مجدداً، بضغط من القوى السياسية العراقية.
وفي واحدة من أشهر مطاردات النفط المهرب عبر الناقلة «يونايتد كالافرفتا» اليونانية المحملة بنفط من إقليم كردستان بقيمة 100 مليون دولار، الذي كانت الحكومة العراقية قد تتبعت حركتها وهي تتنقل من ميناء لآخر بقصد التضليل والتمويه، بعد رفض البحرية الأميركية إيقافها بزعم أنها تبحر في المياه الإقليمية الدولية! ونجحت بعد ملاحقة للناقلة بحجز الحمولة والتحفظ عليها لدى وصولها إلى سواحل تكساس وفق قرار من القاضية الأميركية نانسي جونسون في 29 تموز 2014، إلا أن المحكمة الأميركية عادت في الـ25 آب 2014، وبناءً على طلب رسمي من حكومة إقليم كردستان، إلى إلغاء قرار الحجز! والإفراج عن السفينة التي أبحرت مغلقة نظام التعقب «AIS» عند اقترابها من السواحل الإسرائيلية، لتفرغ حمولتها في ميناء عسقلان، حيث تُعد إسرائيل من أبرز المشترين للنفطين العراقي المهرب، والسوري المسروق عبر «قسد»، بأبخس الأثمان.
المفاوضات مع حكومة إقليم كردستان بشأن الموازنة المالية مازالت مستمرة، من دون التوصل إلى اتفاق كامل بين الحكومتين حتى الآن، وقد دعا «ائتلاف دولة القانون» في بيان صحفي له في الـ15 من شباط الجاري، إلى «عدم السماح لأي جهة تحاول التوافق على ‏حصة إقليم كردستان بالموازنة للعام الحالي، لأنه لا يحق لأي طرف أن يتفاوض على ثروات محافظات الوسط والجنوب ويهديها إلى إقليم ‏كردستان من دون أن يسلم الإقليم وارداته إلى الحكومة الاتحادية».
إن النفط وباقي الثروات في إقليم كردستان وباقي المناطق العراقية، ملك لكل أبناء الشعب العراقي، وتهريبه لبيعه من دون موافقة حكومة المركز، كما تفعل اليوم «قسد» بالنفط السوري، سرقات موصوفة لن تطمس بمرور الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن