في 18 شباط الجاري نشرت صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية الصادرة بالإنكليزية تقريراً أعدته مؤسسة إسرائيلية تسمى «مؤسسة مراقبة التسامح السلمي والثقافي في المدارس التعليمية» في العالم تجاه إسرائيل وتدعى اختصارا «IMPACT-se» يقول فيه رئيس هذه المؤسسة الإسرائيلية ماركوس شيف: إن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا، ما تزال تستخدم خطاب الكراهية الموجه ضد إسرائيل في مناهجها التعليمية في المدارس الفلسطينية رغم ادعائها أنها أزالت هذا المضمون» وندد بالمناهج التعليمية الفلسطينية في مدارس أونروا داخل فلسطين وخارجها لأنها «تنشر ما يشجع على العنف والكراهية ضد إسرائيل بواسطة تمجيد هذه المناهج للجهاد واستخدام العنف وتدرس نصوصاً بالإملاء تندد فيها بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وتستخدم عبارات تصف فيها إسرائيل بالعدو أو بالاحتلال ولا تستخدم البتة خرائط جغرافية تحمل اسم إسرائيل».
وأسست «IMPACT-se» عام 1998 بعد اتفاقات أوسلو عام 1993 لمراقبة التزام السلطة الفلسطينية بما يسمى «التطبيع التعليمي والثقافي» مع إسرائيل ويديرها عدد من الإسرائيليين الذين عمل بعضهم وخاصة مديرها التنفيذي ماركوس شيف في مركز أبحاث هيرتسيليا الإسرائيلي الدولي لمحاربة المعادين للاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني، وتتولى هذه المؤسسة حملة مكثفة لفرض الخطاب الإسرائيلي في مناهج أونروا فيما يخص الساحة الفلسطينية لكن مهامها تشمل كل الدول العربية وتقوم بحشد الضغوط الغربية على الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية تدعمها في ممارسة هذه الضغوط مختلف الوزارات الإسرائيلية وخاصة وزارة الخارجية والمؤسسات الاستخباراتية والأمنية المتخصصة بالابتزاز والإرهاب، وذكر شيف أن أونروا لم تغير شيئاً في المنهاج، وكشف أن مؤسسته وإسرائيل والولايات المتحدة توجهوا نحو الدول التي اعتادت تقديم مساعداتها المالية لأونروا ومنها ألمانيا التي تعد من أهم الدول المانحة، لكي يضغطوا بدورهم على أونروا وفرض تغيير مناهج معاداة وكراهية إسرائيل وتغييرها بمناهج تحث على «محبة» إسرائيل «وعدم وصفها بالقوة المحتلة وبالتسليم باحتلالها وتغييرها لمعالم الوطن الفلسطيني وأسماء المدن والأحياء في مدينة القدس، بل وتحويل اسمها إلى «أروشالايم» وشطب انتمائها للعرب والمسلمين والمسيحيين في هذه المنطقة والعالم، وهذا يعني إخضاع تاريخ ومقدسات أمة بكاملها وأجيالها المقبلة لخطاب الحركة الصهيونية وإسرائيل.
تتولى مؤسسة «IMPACT-se» دراسة ومراقبة جميع مناهج الدول العربية وترسل تقاريرها وإملاءاتها لجميع الدول الغربية الحليفة لها لكي تتبنى هذه التقارير والمطالب الإسرائيلية التي تتضمنها، ومن الطبيعي أن ترسل هذه المؤسسة التقارير نفسها إلى عدد من الدول العربية، فالمخطط الإسرائيلي الخاص بهذا النوع من التطبيع يسعى إلى غسيل الأدمغة العربية من بوابة فرض شروطه على المناهج الفلسطينية التعليمية التي لم تغير خطابها منذ اتفاقية أوسلو، فالشعب الفلسطيني نفسه يستحيل أن يوافق على تغيير تاريخه فوق وطنه ونسيان تاريخ الاحتلال الصهيوني بمذابحه واستيطانه، وسيقاوم محاولته على فرض ثقافة سلب وطنه ومقدساته منذ عام 1948.
هذا المخطط كان قد كشف عن أبشع أشكال التحدي لذاكرة الشعب الفلسطيني والخطاب المستمر في ثقافته، حين طالب بعدم تمجيد الشهداء الذين قتلتهم قوات الاحتلال، وبمنع كتابة عبارة شهيد في المقابر التي يدفنون فيها في الأراضي المحتلة، وهذه السياسة الوحشية الإسرائيلية الممنهجة معدة على مدى قصير ومدى بعيد لفرض «الاستسلام التدريجي» على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية لتجريد الجميع من التمسك بحقوقها المقدسة وتصفية إرادتها وحريتها ومستقبلها في الدفاع عن تاريخها وحضارتها، ولذلك لا يمكن التقليل أبداً من قيمة مجابهة هذا المخطط المنهجي الإسرائيلي على الساحة الثقافية والتعليمية والتربوية من أجل حماية الشخصية الثقافية والقيمية لهذه الأمة وأجيالها ووجودها.
بمقابل مؤسسة «IMPACT-se»، يتساءل المرء هل أنشأ الفلسطينيون مؤسسة مستقلة لحماية ثقافتهم وذاكرتهم ومناهجهم التعليمية من هذا العدوان الإسرائيلي العلني والمكشوف الذي يستهدف قيمهم وضمائرهم الوطنية والقومية وذاكرتهم التاريخية ومقدساتهم الدينية؟
إذا كانت إسرائيل قد أعدت عشرات المؤسسات لفرض أهداف هذا المخطط، فإن المطلوب من الفلسطينيين والعرب، كل العرب، وكذلك الدول الإسلامية أن يكونوا قد أعدوا مئات بل آلاف المؤسسات المستقلة لحماية قيم شعوبنا وذاكرتهم التاريخية الخاصة بفلسطين وطناً ومقدسات، فهذه المؤسسة الإسرائيلية وفروعها تريد أن تفرض علينا مناهج تربوية تعليمية نندد فيها بأنفسنا ونلعن فيها، لا قدر اللـه، شهداءنا وثقافة مقاومتنا للاحتلال وتمسكنا بقيمنا وبحقوقنا التي لا يضارعها في عدالتها أي حقوق في ثقافات كل الشعوب، وهذا ما لن تحققه إسرائيل لأن مقاومة شعوبنا مستمرة.