سورية

رداً على: «لا مفاجأة: أفّاقون وكذابون!»

| د. نضال نعيسة - م.باسل كويفي

في مقال للدكتور بسام أبو عبد اللـه تم نشره في صحيفة «الوطن» الخميس 18 شباط 2021 يقول حرفياً: «هذا هو المقال الثالث على التوالي الذي أتناول فيه موضوعاً واحداً يتعلق بمن سموا أنفسهم «معارضين سوريين» على اختلاف ألوانهم وتياراتهم واتجاهاتهم السياسية، ومصادر تمويلهم إذ لا أجد هنا فرقاً كبيراً بين من نهل من أمهات كتب ماركس وأنغلز ولينين، وبين من نهل من أمهات كتب الوهابية والبنّا، وسيد قطب، وفتاوى القرضاوي الإجرامية، أو بين من تشبع بأفكار الليبرالية الغربية، وحفظ معلقات حول الديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان، عبر سنوات الحرب الفاشية من خلال شاشات فضائيات يمولها البترودولار».
هكذا وبالحرف الواحد، يضع هذا الأكاديمي، «المعارضة السورية» بجميع أطيافها وتلاوينها وتياراتها واتجاهاتها، «قشة لفة»، في سلة واحدة، وبالتالي «مقصلة» واحدة، وليخلط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، وينصّب من نفسه مدّعياً وقاضياً وحكماً عليها، متناسياً المعارضة الوطنية الداخلية، التي تتعرض للتهميش والتعتيم والإقصاء ولا تمتلك أياً من حق الاعتراض ورد التهم وحق النقض والطعن بأحكام الإعدام التي أصدرها؟
للحقيقة والحق يقال، لو كان مثل هذا الكلام المكتوب قد صدر عن أي من أولئك الذين لا تتوافر لديهم أي ثقافة ديمقراطية وتقاليد حوارية راقية، لتفهمنا ذلك، أما أن يصدر عن أكاديمي يمتلك مقومات النهج الأكاديمي والعلمي الرصين والمعروف لتلامذة البحث والدراسة، فهو أمر مستهجن ويدعونا للتحفظ ضده وعليه، حيث إن التعميم لغة جوفاء ولا تمتلك مقومات الفضاء الأوسع للحوار، بعيداً عن خريطة الواقع السياسي في سورية.
إن المجتمع السوري وبعد عقد من النزاع والصراع على أرضه يؤججها تقاطع المصالح الإقليمية والدولية، يشهد انقسامات بنيوية على جميع الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وحتى الأسرية، وهو بحاجة إلى إعادة التماسك الاجتماعي عبر الحوار السوري السوري من دون إقصاء لأي طرف إلا من تورط بدماء السوريين وعمل تبعاً لأجندات مفروضة.
لا يخفى على أحد أن بعض ممثلي المعارضة الخارجية قد أضاع البوصلة الوطنية وخرج عن الخلاف والاختلاف والحوار الفعال للحفاظ على سورية وسيادتها، وهو أمر ننكره ونقف ضده، إلا أن فيها أيضاً من دافع ويدافع عن سورية واستقلالها وسيادتها.
نحن جميعاً ضد المعارضة المسلحة والمتطرفة والإرهاب ولكن يجب ألا يكون التعميم على تسمية المعارضة بكل ألوانها بأنهم أفاقون وكذابون، وأن تجاهل وجود معارضة وطنية سورية داخلية، وحتى خارجية، من الشرفاء الوطنيين الذين رفضوا السير في طريق العمالة والمهانة والخيانة والارتزاق، ومنهم من عادوا إلى سورية ومنهم من لم يتمكنوا من العودة لأسباب عديدة، إلا أنهم يقفون في خندق الدفاع عن سورية وشعبها للحفاظ عليها واحدة موحدة.
علينا الابتعاد عن ذاك النمط من النرجسية والذاتية وادعاء احتكار الوطنية والقيم النضالية والطعن بكرامة السوريين والشك بوطنيتها ومصداقيتها وشرفها الوطني وتخوينها، إلا بعد استقصاء الدليل.
إن المعارضة في جميع النظم السياسية بالعالم هي ضرورة مجتمعية للنقد البناء ومراقبة الأداء الحكومي وتصويب مساره وعلى الرغم من أن المعارضة الوطنية بالداخل هي معارضة خجولة ومحدودة نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية، إلا أن إقصاءها وتهميشها حتى إعلامياً يصب في خانة سياسات اللون الواحد التي لا ترقى بالسياسات إلى بناء دولة تشاركية ديمقراطية أساسها المواطنة وسيادة القانون ولا تتيح فتح آفاق لحوار وطني سوري يقفز فوق المصالح الإقليمية والدولية ويحقق الاستقرار والسلام المستدام.
لقد قدّم العديد من المعارضين الوطنيين الحقيقيين الشرفاء، ورغم التهميش والظلم الكبير الذي حاق بهم من قبل الحكومات، مشاهد حقيقية بالتمسك بالقيم والأخلاق والحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومكافحة الإرهاب، على الرغم من عدم الرضا عن أداء الحكومات والمؤسسات، ورفض العديد منهم الانحياز أو الانخراط في صفوف المعارضات اللاوطنية، وانحازوا بتجرد إلى الشعب السوري وتجذروا بالأرض السورية لمستقبل واعد، بل إن منهم من عاد إلى الوطن وترك صفوف متقدمة بمعارضة خارجية مرتهنة، إيماناً بسورية وحضارتها وضرورة الحفاظ عليها، مع إصرارهم النبيل على البقاء بالداخل السوري متقاسمين مصاعب الحياة مع شعبهم، رغم شظف العيش وضيق ذات اليد والأحوال البائسة التي يعانوها.
ختاماً، المعارضة الوطنية هي مرآة لأي نظام وطني، وهي حق من حقوق الإنسان المتعارف عليها، وبالحوار والتشاركية نرتقي نحو الأفضل بسورية الغالية علينا جميعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن