في عام 2009 شكل نتنياهو زعيم الليكود حكومة ائتلافية تضم ثلاثين وزيراً وكانت أول حكومة بمثل هذا العدد من الوزراء بل إنها ضمت أهم جنرالات الجيش والقادة السياسيين من بينهم ايهود باراك وزيراً للدفاع وكان رئيس حكومة عام 2000 وشمعون بيريز رئيساً للدولة وآخر جيل المؤسسين للكيان الإسرائيلي والجنرال موشيه يعالون رئيس أركان سابقاً وزيراً للشؤون الاستراتيجية والجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان ووزير دفاع سابقاً وزيراً بلا حقيبة ودان ميريدور وزيراً للاستخبارات والطاقة النووية وبيني بيغين وزيراً وهو ابن مناحيم بيغين رئيس الحكومة أثناء اجتياح لبنان 1982 وأفيكتور ليبرمان وزيراً للخارجية، وفي عام 2011 قبيل انسحاب الجيش الأميركي عام 2012 من العراق في عهد الرئيس باراك أوباما وتطورات الحرب الكونية على سورية، بدا أن نتنياهو وجد في عام 2012 أن عدد الجنرالات وأصحاب الخبرات العسكرية والسياسية في حكومته يتيح فرصة كبيرة لشن هجوم مباشر علني على منشآت إيران النووية والتخلص من قدراتها والاستفراد في سورية والمقاومة اللبنانية وفرض سياسته التوسعية على كامل المنطقة.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية كشفت في 20 آب 2012 أن نتنياهو وباراك وليبيرمان وشتاينيتس وزير المالية، توصلوا إلى ضرورة الإعداد لهذا الهجوم معتمدين على أن الولايات المتحدة لن تترك إسرائيل وحدها حتى لو تظاهرت بعدم إعطائها الضوء الأخضر، ففي عام 2012 كان أوباما قد سحب الجيش الأميركي كله من العراق برغم انخراط واشنطن بالحرب على سورية ودعم المجموعات الإرهابية التي انتشرت عند حدود تركيا مستهدفة سورية والعراق معاً، وربما كان أحد أسباب هذا الانسحاب الأميركي وتوقيته السريع يعود إلى إدراك أوباما بأن نتنياهو سيستغل وجود 180 ألفاً من القوات الأميركية في العراق، قرب إيران لابتزاز إدارته ودفعها إما إلى شن هجوم عسكري مباشر على منشآت طهران النووية المدنية، وإما إلى إجبارها على الاستعداد المسبق للدفاع المباشر العسكري عن إسرائيل إذا ما سمحت لها بشن هجوم إسرائيلي منسق معها ضد تلك المنشآت وبشكل تظهر فيه الحرب إسرائيلية إيرانية.
يبدو أن ما فكر به نتنياهو وباراك وليبرمان وشتاينيتس أصبح المحللون الإسرائيليون يتداولون فيه وبعضهم يحذر وآخرون يؤيدون، ففي 17 آب 2012 كانت «يديعوت أحرونوت» نفسها قد نشرت مقالاً للبروفيسور يحيعام فايتس أستاذ التاريخ في جامعة حيفا، تحت عنوان «لا هجوم على إيران دون استفتاء عام» وجاء فيه: إن من يريد أن يتخذ إجراء قد يحمل كارثة على إسرائيل، عليه أن ينال موافقة واسعة على إجرائه ولذلك لا بد الآن من اعتماد استفتاء عام فاتخاذ القرار بحرب مصيرية كهذه هو ضرورة قبل أي هجوم على إيران».
واستشهد فايتس بتصويت الكنيست، أي البرلمان الإسرائيلي، على سابقة كهذه حين صوت لمصلحة إجراء استفتاء عام للإسرائيليين إذا قررت أي حكومة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وقال: إن الهجوم الإسرائيلي على إيران يعد خطراً مصيرياً على إسرائيل ويتطلب استفتاء لأن إسرائيل وحدها لا يمكن أن تحقق أهداف هذه الحرب إلا بمشاركة أميركية مباشرة، فحرب إسرائيلية مباشرة على إيران ستحمل بنظر فايتس، أضعاف النتائج الكارثية التي واجهتها إسرائيل في حرب تشرين، وقال: إن مضاعفات الحرب على إيران ستولد ورطة كبيرة لليهود الأميركيين داخل الولايات المتحدة، لأن الأميركيين سيجدون أنهم يخوضون حرباً ضد إيران ويتعرضون للموت فيها من أجل إسرائيل.
وبيّن فايتس أن السلاح النووي الإسرائيلي لا مكان له هنا في الدفاع عن اسرائيل في حرب ضد إيران، وأن بن غوريون قال علناً: إنه «لم يبن مفاعل ديمونا النووي لكي يستخدم ما ينتجه منه، فلا أحد يجرؤ على انتهاك التوازن النووي القائم منذ أكثر من ستين عاماً بين القوى النووية»، وأضاف فايتس: إنه إذا قرر نتنياهو وباراك شن هجوم مباشر على إيران فعليهما أن يلجأا إلى إجراء استفتاء لأن كل إسرائيل ستتعرض لنتائجه.
ومنذ عام 2012 حتى الآن لا مجال للشك بأن قدرات إيران الصاروخية والدفاعية التي اختبرت أمام التهديدات الأميركية في الخليج وغير الخليج في السنتين الماضيتين، تثبت لكل الإسرائيليين أنه لو جرى استفتاء في ذلك الوقت أو في هذه الأوقات، على هجوم كهذا، فإنه لن يحظى بموافقة أغلبية الإسرائيليين ولذلك يتضح أن كل التهديدات الإسرائيلية تجاه الموضوع النووي الإيراني هدفها فقط توريط واشنطن بشن حرب مباشرة، وواشنطن منذ عام 2012 هربت من حرب كهذه واستعاضت عنها باتفاق خمسة زائد واحد عام 2015، وثبت أن تهديدات نتنياهو لم تجد أي نفع لا مع إيران ولا مع سورية، وأن واشنطن ومن تحالف معها ضد إيران وضد حلفاء إيران، تدرك قبل تسعة أعوام عدم ضمان تحقيق النتائج المرجوة من حرب كهذه.