ثقافة وفن

شيخ الفنانين السوريين في ذكرى رحيله … سعد الدين بقدونس.. أفنى نفسه في المسرح وذهب به إلى أقاصي سورية

| وائل العدس

شُغف الممثل والمخرج الراحل سعد الدين بقدونس بالمسرح في سن صغيرة فوقف على خشبته للمرة الأولى عام 1940 وكان عمره 16 عاماً فقط.
بذل الغالي والرخيص من أجل أن يؤسس مسرحاً جاداً ينهض بالمجتمع، وكان مؤمناً بأن أي تفاعل حضاري سيرتقي بالذائقة الثقافية، ويشعل حواراً يرسم بعض تشكيلات اللوحة الاجتماعية السورية، برغم أن المرحلة كانت من أشد فترات المسرح السوري قسوة، تجاه الرفض الاجتماعي للفن بمفهومه الأوسع.
كان إنساناً بسيطاً وعفوياً ذهب بالمسرح إلى أقاصي سورية ولم يعرف اليأس، ولعب في حياته أدواراً متباينة بين المسرح والتلفزيون والسينما، ولم يمنعه التقدم بالسن من أن يكون من أبرز الوجوه المألوفة في العروض المسرحية.
تزوج من الفنانة المسرحية اللبنانية كلير سمعان شقيقة المطربة فريال كريم، وقد أنجب منها ابنتين «ليلى وسميرة»، علماً أن الأولى التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية واحترفت التمثيل.
وُلد في 20 نيسان عام 1924 في حي الصالحية بدمشق، وتوفي في 19 شباط عام 2005 عن عمر يناهز 80 عاماً، وقد لقب بشيخ الفنانين السوريين.
رحل ولم يتاجر بتاريخه ولم يكتب مذكراته لأنه يرى أن سوق الكتاب تراجع وأننا قادمون على عصر رغم تطوره الكبير
إلا أنه عصر أمي لا دور للكتاب فيه.

قاسيون فيلم

أسس هو ورفاقه في الحي نادي قاسيون، عشقوا السينما وحلموا باقتناء كاميرا، فصنعوا مجسماً لها من الصفيح، ثم قاموا بطلائها بالأسود، وكتبوا عليها «قاسيون فيلم».
تفرق الرفاق وأخذتهم الحياة من أحلامهم وطموحاتهم، باستثناء الفتى سعد الدين بقدونس الذي ظل مخلصاً للحلم والكاميرا والسينما، فنشأ فناناً من الطراز الرفيع.

بقدونس والعائلة

احترف بقدونس التمثيل في وقت كان يُنظر لمهنة الفنان على أنها مهنة معيبة، وحين اشتهر اسمه في المسرح جاءه عدد من أفراد عائلته وطلبوا منه أن يمحوا اسم العائلة، لأن ذلك ينقص من كرامتهم.
وقتها طلب منهم أن يفهموا رسالة المسرح وأنه ليس «كباريه» بل هو موجود لتنوير عقول الناس، فلم يوافقوا على كلامه وطلبوا منه تغيير اسم العائلة أو أن يترك هذا العمل، فقال لهم: «موافق بشرط أن تجدوا لي عملاً أعيش منه»، فوافقوا وذهبوا ولكنهم لم يعودواـ بعدها اتخذ سبيل الفن بشكل جدي في دمشق وبيروت.

إخلاصه للمسرح

سعد الدين بقدونس كان يكتب لمسرحه ويخرج له ويعمل في أحيان كثيرة في الإضاءة والديكور بل في التلقين إذا اقتضى الأمر.

من دمشق وفي نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، بدأ حياته في مسرح الأندية الفنية التي كانت منتشرة في سورية، إلى أن أسس فرقة مسرحية باسمه، وساهم في تأسيس المسرح العسكري، وجمعية المسرح الحر.
في مطلع الخمسينيات، تعاون الفنان بقدونس مع الفنان عبد اللطيف فتحي، عندما عمل بفرقة الأخير، حيث قدما معاً عدة مسرحيات، من بينها مسرحية «طاسة الرعبة»، إعداد بقدونس وإخراج فتحي، وعُرضت في القاهرة زمن الوحدة بين مصر وسورية عام 1959.

في مطلع الستينيات، شارك بقدونس في تأسيس المسرح العسكري مع الفنان محمود جبر والمخرج محمد شاهين.
وفي عام 1963 توجه إلى لبنان للعمل في القناة السابعة لمدة خمس سنوات، وهناك أسس فرقة المسرح الشعبي بالتعاون مع زوجته الفنانة اللبنانية كلير سمعان، وقدم عدداً من المسرحيات الكوميدية التي ظهرت فيها الشخصيات اللبنانية الشعبية، وكان حينها معروفاً بكرمه وطيبته ودماثة أخلاقه واستقباله لكل فنان ترك دمشق ورحل إلى لبنان.
بقي سعد الدين بقدونس مخلصاً للمسرح حتى أيامه الأخيرة، كنا نراه قادماً متكئاً على عكازه مبتسماً، وكان يقول: «هذه مملكتي ولا يمكن أن أتركها»، فأفنى نفسه في خدمة هذا الفن لمدة 60 عاماً، وعمل على نشره في كل مدينة وقرية سورية.

اهتمامه بالمسرح، كان سبباً في غيابه عن شاشة التلفاز بالمقارنة مع أبناء جيله، ورغم قلة أعماله في التلفزيون، إلا أنه له بصمة خالدة في الدراما السورية، فقد كان أحد المشاركين في سلسلة «تغريبة بني هلال» أشهر سلسلة تلفزيونية قُدمت في سبعينيات القرن الماضي.

أعماله

شارك بقدونس في عشرات المسلسلات السورية نذكر منها: «الحكاية الأولى من تغريبة بني هلال – جابر وجبير» و«الحكاية الثانية من تغريبة بني هلال- مغامرة الأميرة الشماء» عام 1978، «الحريق» عام 1988، «يوميات ضاحكة» عام 1989، «يوميات مرحة» عام 1990، «عيلة خمس نجوم» عام 1994، «يوميات مدير عام» و«كان يا ما كان» و«قلعة الفخار» عام 1995، «ياسين تورز» و«خفايا الليل» عام 1996، «طرائف العرب» و«المرحون» عام 1997، «طيبون جداً» و«مقعد في الحديقة» عام 1998، «دنيا» و«أهل وحبايب» عام 1999، «هذا قراري» و«سباق للزواج» و«حكايا من ظرفاء ولكن» عام 2000، «أبيض أبيض» عام 2001 و«السفينة – الرحلة 13» عام 2002، «خبز وملح» عام 2003، «عصام ورشا» عام 2005».
كما شارك في ثلاث سهرات تلفزيونية هي «الجوهرة» عام 1992، و«البراءة» عام 1993 و«المتمرد» عام 1999.
وفي رصيده عدد كبير من الأفلام نذكر منها «نزوات امرأة، امرأة لا تبيع الحب، الأميرة شهرزاد، نور وظلام، مقلب حب، المخدوعون، المصيدة، الانتقام حباً، امرأة في الهاوية، الابتسامة، في بلاد العجائب، الحسناء والمارد، وكان مساء».
وله الكثير من المسرحيات كممثل ومخرج منها «مخلب القطة، صرخات الجزائر، جذور الحب، الحب الكبير، وبين العرب والصهيونية، العطر الأخطر، الأيدي الناعمة، طبيباً رغم أنفه».

رافق مايكروفون الإذاعة السورية منذ بداياتها في الأربعينيات، وله العديد من المسلسلات لعل أشهرها مسلسل «يوميات أبو صالح» من تأليف عماد ياسين وإخراج نذير عقيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن