أصبح التساؤل حول مستقبل إسرائيل يحتل حيزاً متزايداً في مختلف مراكز الأبحاث الأجنبية والتحليلات الصحفية إلى حد جعل هؤلاء يستشهدون بتصريحات وتحذيرات يطلقها مسؤولون إسرائيليون، ويعربون فيها عن القلق والاهتمام بل إن بعض التحليلات طرحت منذ عام 2015 تحديداً بأن مستقبل إسرائيل يتجه نحو خرابها وانتهاء مشروعها الصهيوني، فتحت عنوان: «مستقبل إسرائيل المظلم» كتب المحلل والكاتب الأميركي ماكس فيشير في مجلة «فوكس» الأميركية في آذار 2015 وهو من الكتاب الدائمين في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه ليس الوحيد الذي يتوقع مستقبلاً مظلماً لإسرائيل واستشهد بما كتبه عام 2013 يوفال ديسكين مسؤول جهاز مخابرات «شاباك» الإسرائيلي ووزير الأمن الداخلي في الحكومة سابقاً، حين حذر من أن إسرائيل تجد نفسها في أسوء وضع ما دام عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يتزايد وقد يزيد بنسبة كبيرة عن عدد اليهود بعد عشر سنوات.
لا شك أن تاريخ هذا الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 لبقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان العربي السوري حتى الآن لم يحقق لهذا الكيان الأمن ولا الاستقرار، فكل الحروب والعمليات العدوانية التي شنها منذ عام 1967 وكل المخططات التي أعدها خلال أكثر من خمسين سنة لتحقيق هدفه التوسعي على حساب الأراضي المحتلة لفرض مشروع «الدولة اليهودية»، أي دولة اليهود وحدهم على كامل التراب الوطني الفلسطيني، لم تحقق نتائجها بل أيضاً لم تحقق الحد الأدنى من هذه النتائج.
وهذا يعني أنه يصطدم بحقيقة أن حروبه لم تنجز هذا الهدف، ولا التسوية أو المفاوضات والحلول الوسطية التي جرت منذ اتفاقية أوسلو، حققت تقدماً لإنجاز هذا الهدف.
هذه الدوامة المستمرة بتوليد النتيجة نفسها التي لا تتيح إلا مستقبلاً مظلماً لإسرائيل، تحولت إلى حقيقة لا يمكن لأصحاب المشروع الصهيوني نفي وجودها، وبالتالي لا يمكن حلها بإبعاد أكثر من خمسة ملايين فلسطيني منتشرين في داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 والأراضي المحتلة في الضفة الغربية، يضاف إليهم مليونان في قطاع غزة الذي يخضع لحصار لم ينقطع منذ عام 2006.
ولا شك أن الشعب الفلسطيني يدرك أن صموده فوق ما بقي من ترابه الوطني وتمسكه برفض أي سياسة ترحيل أو إبعاد أو تقسيم لشعبه داخل هذا الوطن المحتل، يعد شكلاً من أشكال المقاومة التي لن يتوقف عنها رغم كل إجراءات الاحتلال الوحشية من سجن وحصار وتجويع، كما يدرك أنه بهذه الطريقة يحافظ على حقوق سبعة ملايين فلسطيني في الشتات بهويتهم الوطنية وبحقهم للعودة إلى وطنهم وممتلكاتهم ويحافظ على حيوية قضيته بصفتها قضية تحرر وطني وتقرير مصير تتيح لبقية الأمة والجوار الوقوف إلى جانبها والاستعداد لإنهاء أقدم مشروع استعماري صهيوني استيطاني زرع في قلب هذه الأمة ومنطقتها.
وفي هذه الحال لم تستطع الحروب الإسرائيلية ولا كل أشكال الحصار والتطبيع التي سعى الكيان الإسرائيلي إلى فرضها تحقيق أهداف إسرائيل، كما لن تحمل أي مفاوضات بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية، أي إمكانية لتحقيق هذا الهدف حتى بعد مرور 27 عاماً على اتفاقات أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والسبب الجوهري والرئيس هو إرادة الشعب الفلسطيني وقراره بالصمود والتمسك بحقوقه الشرعية وبرفضه كل الحلول التي تنتقص من هذه الحقوق، فإرادة الشعب هذه تفوق في قوتها وقيمتها كل قرارات التفاوض التي اتخذت منذ عام 1993 وما يريده ويسعى له المتفاوضون من حلول تجتزئ حقوقه وتصفيها، فلا يمكن لمثل هذه الحلول أن يقبل بها الشعب والدليل على ذلك واضح في مسيرة علاقة هذا الشعب ببعضه داخل وخارج الوطن المحتل ووحدته التي تفوق في دورها أي انقسامات بين فصائله، ومن يقف مع تطلعات وإرادة شعبه ينتصر ولو طال وقت الانتصار، فالإسرائيليون هم الذين يعيشون في أزمة جعلت مئات الآلاف منهم يغادرون هذا المشروع الاستيطاني إلى أوطانهم خلال عقدين فقط، وكان من قبلهم من رحل في عقود سابقة وقد زاد عددهم على مليون، فهم الذين تتناقص قوتهم البشرية مثلما تتناقص هجرة اليهود وتنحسر عاماً تلو آخر، ونحن الذين نزداد تمسكاً ببقائنا فوق وطننا وتزداد مقاومتنا وتتسع ويتعاظم أملنا بمستقبل حر.