النقص في قطاع الأدوية المخدرة أحد أسباب الوفاة و«حويصة» يطرحون الدواء الأجنبي في السوق! … دخول بعض أنواع الدواء للسوق السوداء لأن الاستثمار الدوائي مقتصر على تعدد الأسماء فقط
| ألين هلال
الاستثمار في القطاع الدوائي وجهة للعديد من المستثمرين، ولكن هل خلق هذا الاستثمار التنوع الدوائي المطلوب؟ وتوافر الدواء الأجنبي اليوم خلق أسئلة كثيرة منها هل هو مضمون وخاضع للرقابة؟
«الوطن» توجهت بالسؤال لعدة جهات بدءاً بالصيادلة، الصيدلانية تغريد سليمان أوضحت أن هناك العديد من الشركات الدوائية التي ظهرت مؤخراً، ولم تشكل ذاك الفرق الملحوظ إضافة إلى التعامل مع المستودعات الذي أخذ منحى آخر، فهناك تقنين في الدواء النوعي الذي يُسحب بكميات قليلة، وفي بعض الأحيان يتم إلزام الصيدلي «بالسلة الدوائية» التي تحوي أنواعاً متعددة من الأدوية التي لم يطلبها ولكنه مجبر على أخذها للحصول على الدواء الذي يريد، فالتعدد بأسماء شركات الدواء هو تعدد لنوع واحد من الدواء وبعض هذه الشركات اتجه للمتممات الدوائية، على حين الأدوية النوعية لا نرى بديلاً منها في السوق رغم تعدد المعامل، وبعض أنواع المضادات الحيوية يتم تأمينها من السوق السوداء إذ العلبة التي كلفتها 1500 ليرة تؤمن بسعر يزيد على 6 آلاف ليرة، ما يدفع الصيدلاني لبيعها بالظرف لشح المادة ولتغطية رأس مالها.
على حين تحدث العديد من الصيادلة عن عدم الالتزام بالقرار الأخير الذي صدر عن وزارة الصحة، الملزم للمعامل بتبديل 3 علب دواء نوعي كالضغط والسكري منتهية الصلاحية، إذ تتهرب بعض المعامل، إضافة إلى عدم وجود تسعيرة على العلب، فعلى الصيدلي أن يسعر بيده ما خلق مشكلة ثقة مع المريض.
وعند السؤال عن الأسعار لم يخفِ الصيادلة امتعاضهم فسعر قلمين من الدواء يتعدى ثمانين ألف ليرة، ما يشكل عبئاً على الصيدلاني والمريض معاً، ففي بعض الأحيان يتم طلب الدواء الأساسي فقط من وصفة طبية كبيرة، أما الربح فهو وهمي، ويسأل الصيادلة بعد الزيادتين الماضيتين في الدواء هل هناك حركة لزيادة ثالثة تناسب الوضع الحالي؟
وفي السياق نفسه د. فواز هلال المسؤول العلمي في رابطة اختصاصي التخدير وتدبير الألم أكد أن هناك مشكلة في إنتاج المخدر الدوائي حيث تعمل معامل الأدوية على إنتاج نوع واحد من دون التنويع في الأدوية، وإنتاج نوع دوائي واحد في قطاع التخدير من دون أن يتم إنتاج المضاد له، فما يتم إنتاجه هو الدواء الأكثر مبيعاً فقط، ما شكل نقصاً كبيراً في السوق بالنسبة للأدوية النوعية في قطاع التخدير ونقصها قد يؤدي لوفاة المريض، كالدواء الذي يستخدم بحالات ارتفاع الحرارة الخبيث الذي قد يصيب المريض أثناء العملية وعدم توافره يؤدي لوفاته، فلدينا إنتاج لأفيونات دوائية من دون مضاداتها.
والدكتور محمد خالد طالب مدير الدعاية في إحدى الشركات الدوائية المنشأة منذ 34عاماً تحدث أنهم عملوا للحفاظ على استمرارية الاسم، فتأمين المواد الأساسية يشكل تحدياً كبيراً، ولكن لا تزال الشركة محافظة على إنتاجها من أدوية أمراض الربو.
وعن الأسعار بين د. طالب أن الزيادة السابقة لم تحقق الفائدة المرجوة منها، إذ كان التغير منذ 3 أشهر واليوم الوضع مختلف عما كان عليه في تلك الأشهر.
من جهته الدكتور ريمون هلال عضو مجلس الشعب أوضح أنه ليس هناك ما يسمى باستثمار طبي حكومي بهذا الخصوص، فطرح العديد من المشاريع الحكومية تنصدم بمشاكل بين بعض القطاعات المسؤولة ما يؤخر العمل، فلليوم لا نرى معملاً حكومياً لـ«الأملاح الدوائية»، رغم ما تم طرحه من الجهات المعنية، فالروتين يحد من انتعاش الاستثمار في القطاع الدوائي.
ولا بد من وجود خطة تتمثل بالمشاركة بين القطاعين العام والخاص إذ يسمح للقطاع الخاص باستيراد أو فتح خط إنتاج لنوع دوائي محدد -ضمن الشروط السورية المطلوبة- على ألا يعطى الامتياز لمعمل آخر ما يساعد على تنوع الأصناف الدوائية ويفتح الباب للتصدير مشكلاً مردوداً مالياً جيداً للقطاعين المتشاركين، ولكن ما نراه هو وجود معامل دواء تصنع أنواعاً واحدة بأسماء مختلفة ما يخلق شحاً في المواد، فالسوق موجودة وكذلك الأفكار ولكن نفتقر للتشريعات حسب د. هلال، ولا بد من وجود خريطة حقيقية للدواء تتمثل بتنوع التراخيص الدوائية لأنواعها لا أسماء مختلفة لمضمون واحد، وبخطوة جيدة باتجاه فتح خطوط إنتاج دوائية جديدة تم السماح باستيراد خط إنتاج مستعمل ضمن مواصفات محددة، ما يقلل كلفة فتح خط الإنتاج الجديد فقد يصل السعر إلى 40 ألف دولار فقط، ما يسهم بخلق أنواع دوائية جديدة.
وعن الأسعار أوضح أن السعر انعكس على الجودة، فالجودة العالية لابد أن يلازمها تسعير مناسب، واليوم نرى الجودة رافقت السعر وليس العكس ففتح الباب الجزئي للتصدير لا يشكل حلاً، لكون القطاع الدوائي يمثل عاموداً اقتصادياً مهماً.
وبخصوص الدواء الأجنبي المطروح في السوق سأل د. هلال هل هو مستورد أم مهرب؟ إذ هناك العديد من أنواع الدواء المطروحة لابد من الوقوف عندها، فبمتابعة العديد من الوكلاء نجدهم يؤكدون أنهم ليسوا مسؤولين إلا عن الدواء الذي يوزعونه للمشافي الحكومية، واليوم نرى «حويصة» يبيعون الدواء المهرب وهنا لابد من وجود آلية تضبط مثل هذه الأعمال.
وفي سياق متصل أوضح الدكتور ماهر سينجر الخبير الاقتصادي أنه وفقاً لتصنيفات المخاطر العالمية المتوقعة لعام 2021 تحتل الأخطار المتعلقة بالأوبئة المرتبة الثانية، وما هو إلا إشعار بضرورة الاستعداد للتعامل مع أخطار غير محددة المعالم، وبالتالي هناك مزيد من المشاكل على مستوى صحة الأفراد لقاء مزيد من الحلول الجاهزة أو المجهزة، ستتركز آثار هذه المخاطر على مستوى الحاجات الأساسية للإنسان ما يتطلب مزيداً من الاهتمام بالأمن الغذائي والأمن الدوائي.
فالاستثمار بمجال الصناعات الدوائية يعتبر من الاستثمارات المطلوبة وبغض النظر عن الدولة، لكونه يعتبر جزءاً من الأمن الدوائي للدول وخاصة في ظل الأزمات أو في ظل الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه الدول، وبالتالي يوصف الاستثمار بالصناعات الدوائية باستثمار إستراتيجي أساسي لكونه يخدم الحاضر ويعتبر صمام أمان لمواجهة المستقبل.
منوهاً بارتباط الاستثمار في الصناعات الدوائية بأهداف تخدم الاقتصاد الوطني وتخدم أهداف التنمية المستدامة، فصناعة دوائية مستقرة تؤمن بأهمية البحث والتطوير والابتكار وعدم تقليد الصناعات الأجنبية تعني مزيداً من الأمن الدوائي ورافعة تزيد من نسب تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأضاف د. سنجر إنه على المستوى المحلي نمت صناعة الأدوية بشكل مهم حيث إن الشركات المحلية أمنت حاجة السوق بالتزامن مع الترخيص لعدد مهم من المستودعات لتلبية الحاجة من باقي المنتجات التي ترتبط بشكل أو بآخر بهذه الصناعة كتأمين المتممات الغذائية، لننتقل لمرحلة التصدير إلى دول لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من الأدوية كاليمن مثلاً ولدول تجد في المنتجات الدوائية السورية حلاً لتعويض النقص لديها، كما أن حالة الاستجابة الطارئة للأزمات والأوبئة عززت من مكانتها، حيث وجدت الصناعات الدوائية في سورية من العراق سوقاً واعداً، فهي ليست بحديثة فهناك شركات تصنع منذ الستينيات، ووصلت المنتجات الدوائية السورية لأكثر من خمسين دولة قبل الأزمة.
وحسب د. سنجر من الضروري وضع منهجية خاصة لدعم الصناعات الدوائية القديمة والجديدة في سورية من حيث تعزيز وصولها لمصادر التمويل بشكل سلس ومرن وخاصة في ظل حالة الغلاء الحالي الذي يهدد الكثير من شركات الصناعات الدوائية لكونها تستورد المواد الأولية من الخارج ولحاجتها لاسترداد تكاليف الاستثمار المرتفعة.
كما تبقى الغاية لأي مشروع هو تحقيق الاستمرارية لتصبح بوابة التخطيط لهذه الشركات في ظل الظروف الحالية وتعزيز قدرتها على الاستمرار ومواجهة المخاطر الاقتصادية وظروف الحصار الاقتصادي الجائر.