من دفتر الوطن

الإرادة والإدارة

| حسن م. يوسف

أحسب أن العامل الحاسم الذي يحدد مصير أي فرد أو مجتمع، لا يكمن في قوته الجسدية ولا في إمكانياته المادية ولا في طاقاته الروحية، بل في مدى قوة إرادته. فالإرادة القوية تعطي للقدمين جناحين، والإنجليز يقولون «حيث توجد الإرادة، يوجد الطريق». تلك هي الخلاصة التي أتوصل إليها كلما قرأت شيئاً جديداً عن التجربة اليابانية. فإمبراطورية اليابان لا تملك ثروات طبيعية جديرة بالذكر، وقد خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومحطمة الجسد والروح، بعد أن جرب المجرمون الأميركان قنابلهم النووية في اثنتين من مدنها، هيروشيما وناغازاكي. رغم ذلك فقد استخدم اليابانيون إرادتهم، بدأب النمل وإصراره، ونجحوا في إعادة بناء وطنهم بدءاً بتقليد المنتجات الغربية، مروراً بمجاراتها وصنع ما يكافئها، وانتهاء بصنع ما هو أفضل منها.
ونظراً لأنني أنتمي إلى أمة تطمح للنهوض وتجاوز كل ما تعرضت له من نكبات ونكسات فقد كنت طوال حياتي المهنية ككاتب يعمل في الصحافة، أطمح لزيارة اليابان ودراسة أسرار نهضتها كي أكتب عنها، على أمل أن يستفيد شعبي منها.
صحيح أنني طرت إلى أربع جهات الكوكب بأجنحة الصحافة، لكن حلمي بزيارة اليابان لم يتحقق مع الأسف، ولهذا كنت مثل جميع إخوتي العرب معرضاً لأن أكون ضحية للتضليل الإعلامي بشأن ذلك البلد. والغريب حقاً هو أن معظم التضليل الإعلامي العربي بما يخص اليابان، كان يأخذ شكل الدعاية الإيجابية بشكل مفرط، وربما كان الهدف من مبالغات بعض العرب بشأن النهضة اليابانية هو أسطرتها بغية تبرير تخلفهم وإعفاء أنفسهم من الاقتداء بها.
والحق أنني رغم إعجابي الشديد بحضارة اليابان وثقافتها ونهضتها الحديثة، إلا أن عقلي رفض الكثير من «الأساطير» التي روجها الإعلام العربي عما يطلقون عليه «كوكب اليابان». كقولهم: «في يوم المعلم يقوم التلاميذ في اليابان بغسل أقدام معلميهم»، وكقولهم: إن «عمال النظافة في اليابان يحظون بالاحترام لدرجة أن المرتب الشهري للواحد منهم يساوي مرتب وزير في الحكومة». وكقولهم: «إن وزير الطاقة الياباني اعتذر علناً عن انقطاع الكهرباء لمدة 20 دقيقة بالانحناء للمدة نفسها». ولما بحثت عن مدى صدق هذه المعلومات تبين لي أنه لا يوجد عيد معلم في اليابان وبالتالي لا يقوم التلاميذ بغسل أقدام معلميهم! وأنه ثمة فرق هائل بين راتب عامل النظافة والوزير! كما تبين لي زيف قصة انحناء وزير الطاقة الياباني لمدة ثلث ساعة، فالصورة التي نشروها مع الخبر لم تكن في الواقع سوى صورة الرئيس التنفيذي الجديد لشركة هوندا في أول مؤتمر صحفي له في عام 2015.
الطريف في الأمر هو أن تملق الإعلام العربي لليابان لا يسعد اليابانيين على ما يبدو، لذا أطلقوا منذ مدة بوابة إعلامية بسبع لغات من بينها العربية لتصحيح صورتهم.
https://www. nippon. com/ar/
وقد صرح أحد العاملين في تلك البوابة بقوله: «نريد أن يشعر العرب بأن اليابان دولة طبيعية وشعبها مثلهم، ولديهم الخير والشر. نحن نؤمن أنه في الثقافة اليابانية جوانب غنية وأن الخرافات التي تلتصق بها تشوه صورتها».
نعم إن كلمة السر في نهضة اليابان هي الإرادة. ويجب علينا نحن العرب أن ندرك أن سر عجزنا يكمن في أننا لا نعرف كيف نقرن إرادتنا بقوتنا، لذا فنحن أشبه بسيارة مفككة، كل مكوناتها موجودة بدءاً بالمحرك مروراً بالهيكل وانتهاء بالدواليب، لكننا نفتقر لإرادة جمع هذه المكونات والانطلاق بها إلى المستقبل. يجب علينا أن نخرج من حكاياتنا الخرافية، وأن نفهم دروس التاريخ، فبالإرادة نرتقي بالإدارة، وبالإدارة نفجر طاقات الإرادة ونستفيد منها إلى مداها الأقصى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن