ثقافة وفن

موفق دعبول العالم العامل

| إسماعيل مروة

ها هو أحد الأعلام العلماء الأستاذ الدكتور موفق دعبول يترجل، يرحل عن دنيانا، تاركاً وراءه إرثاً من العلم والأخلاق والعمل الجاد في خدمة لغته ومجتمعه واختصاصه، لم يترك الدكتور دعبول لحظة من حياته دون عمل مثمر في الاختصاص والحياة.. ذهب إلى النمسا شاباً، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1961، وكان أصغر الحاصلين على الدكتوراه العلمية العالية سناً، وقد حدثني الدكتور دعبول كيف عانى عند عودته من أجل المعادلة بسبب سنه الصغيرة، وانتظم الدكتور دعبول في جامعة دمشق مدرساً في قسم الرياضيات، فأستاذاً، فرئيساً لقسم الرياضيات، ليتوج الدكتور دعبول حياته الأكاديمية نائباً لرئيس جامعة دمشق للشؤون العلمية، وبعدها كان رئيساً لجامعة القلمون الخاصة، ثم رئيساً لمجلس أمناء جامعة اليرموك الخاصة، وفي الميدان الاقتصادي أسهم الأستاذ الدكتور دعبول في التخطيط لشركات عدة لها دورها في الميدان الاقتصادي الخاص، وكان صاحب رؤية ثاقبة في الاقتصاد والفكر الاقتصادي، وهذه الناحية تغيب عن كثيرين لا يعرفون الدكتور واهتماماته ونشاطاته.
لكن الجانب العلمي لم يغب ساعة واحدة عن حياة الدكتور دعبول، فهو عضو في مجمع اللغة العربية، وله نشاطاته ومشاركاته، وعضو في لجنة تمكين اللغة العربية، وله إسهامات في جمعيات ومنتديات علمية ودينية خيرية، وهناك أنشطة كثيرة أعرفها من قربي إلى الدكتور دعبول لا أملك الحق في الحديث عنها، لأنها من قناعاته في الرعاية الاجتماعية والمجتمعية، ومن إيمانه بضرورة تكاتف جميع جوانب المجتمع المدني من أجل رعاية المواطن، وتمكين التكافل الاجتماعي.
وكنت منذ أكثر من عقدين على تواصل دائم مع الأستاذ الدكتور دعبول، وأدهشني، مع علمه ومكانته، تواضعه الكبير، فهو لا يرفض أي طلب علمي، ولا يتردد في أن يكون صاحب رأي ومشورة كلما هرع إليه أحدهم، وكلما ذكرته تذكرت كتابتي عنه في كتابي (كما عرفتهم) وقام الدكتور الفاضل بإجراء قلمه، إذ حذف العبارات الدالة على مكانته عندي، وحرص على أن تكون الكتابة علمية جداً تخلو من عبارات التبجيل التي أحملها له، وبقي على رأيه، وبين مدة وأخرى ألتقي الدكتور دعبول في مكتبه، فمن مكان إلى آخر، وآخر مكاتبه التي ترددت إليها، مكتبه في المزة شيخ سعد، والدكتور كان يستبقيني وقتاً أطول، ويحاورني محاورة الندّ والصديق، وأنا لا أعدو أن أكون واحداً من أصغر تلامذته… ولا أستطيع أن أنسى مشاركاته الإعلامية التي قمت بإعدادها، ودون أي تردد، وبكل احترام، بل، كان الدكتور محترماً للآخر، فلا يدخل حواراً دون أن يعدّ له إعداداً تاماً، لأنه يحترم محاوره، ويحترم المتلقي على السواء.
الدكتور موفق دعبول مثال نادر للأب وعلاقته بأولاده، ومثال في التربية والتعليم، وكأنه يمشي على طريق يعرفها من البداية حتى النهاية، فقد كان يخطط لأولاده وبناته في تعليمهم وأسفارهم، ويتابعهم بمراسلات متبادلة بينه وبينهم، وهذه المراسلات ليست وليدة المصادفة، وإنما مراسلات تربوية مدروسة بعناية، لذلك قام الدكتور بجمعها وطباعتها في إصدارات راقية، لتكون مثالاً في التربية والعلاقة بين الأب والأولاد، ولم أسمع منه يوماً حديثاً عنهم دون أن يرفقه باللقب والرضا.
وحُقّ للدكتور موفق دعبول أن يفخر بما قدمه في حياته العلمية، ولا يذهب من خاطري ما قاله فيه الأستاذ الدكتور صلاح الأحمد عالم الرياضيات الراحل، الذي كان ومنذ زمن بعيد يراه عالماً وجديراً، كما كان الدكتور دعبول يراه أستاذاً كبيراً وعالماً لا يجارى، ولا يدري المرء أيهما سيد في التواضع والتقدير!!؟
موفق دعبول خسارة للعلم والعلوم والعربية، خسارة للاقتصاد وفعالياته، خسارة للتعليم والتخطيط التربوي، وخسارة لكل مؤسسة كان يرعاها.. هو فقد لأسرته العزيزة، ولا أتردد بأنه خسارة شخصية لي، وسأعاين اسمه ورقمه في هاتفي طويلاً، وأنا الذي أتردد دوماً في محادثته بسبب مهابته ومكانته عندي.
رحمك الله أيها العالم الجليل، أيها الصديق القدوة بعلمك ومنطقيتك، رحمك الله وأنت المثال الذي أحببته وسرت ما استطعت على دربه العلمي، سأفتقد الناصح كلما أردت رأياً ولكن أناقتك وأخلاقك دائمة الحضور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن