قضايا وآراء

إسرائيل وسيناريوهات نهاية اللعبة

| تحسين الحلبي

بدأت في السنوات الماضية بعد انتصار سورية وحلفائها على الحرب الكونية الإرهابية، تظهر في عدد من مراكز الأبحاث الأميركية والأوروبية، دراسات حول مستقبل وجود إسرائيل ومشروع الغرب الصهيوني، وكان من الطبيعي لهذه المراكز ألا تهتم في دراساتها بمستقبل وجود أي دولة من دول الشرق الأوسط الطبيعية والتاريخية، فإسرائيل هي الكيان الوحيد الذي تهتم الأبحاث بمدى استمرار وجوده بعد أكثر من سبعين عاماً على اغتصاب الغرب لفلسطين وتسليمها للمشروع الصهيوني. فقد نشر مركز «ليب» التابع للاتحاد الأوروبي، وهو «مختبر التوقعات السياسية الأوروبية تجاه العالم والمستقبل»، تحليلاً في تموز 2019 بعنوان: «إسرائيل عام 2020 والاحتمالات المقبلة لمستقبلها في العقد المقبل» يبين فيه أن «إسرائيل تم إيجادها بعد الحرب العالمية الثانية في ظروف لم يعد لها وجود وتأثير، فقد كانت أوروبا تشعر بالذنب مما تعرض له اليهود على يد النازية وكان من السهل على الدول الاستعمارية تخصيص أي بلد يخضع لسيطرتها الاستعمارية لتأسيسها فيه من أجل مصلحتها»، ويرى البحث أن وضع إسرائيل والعالم الآن لم يعد يبرر كل تلك الأسباب وأن «قدرة إسرائيل على السيطرة بقواتها العسكرية على الآخرين انتهت بهزيمتها عام 2006 في لبنان وأصبحت بحاجة لا غنى عنها لدعم عسكري مباشر بقوات أميركية»، ويبين أن «هناك غموضا في مدى قدرة واشنطن على تلبية هذا الطلب بعد أن تورطت بحربين في أفغانستان وفي العراق دون تحقيق أهدافها، وأن أوروبا بدأت تظهر لديها رغبة بالعودة إلى المنطقة بعد انتهاء نفوذها في عام 1956، وخسارتها في حرب السويس حين حل محلها النفوذ الأميركي المتصارع مع الاتحاد السوفييتي»، ويضع التحليل عدداً من السيناريوهات لمستقبل إسرائيل والمشروع الصهيوني منها: «نهاية وجود دولة إسرائيل وتحولها إلى طوائف وجاليات وسط بحر من الدول العربية والدول الأخرى في المنطقة».
ويتصور هذا السيناريو أنه إذا ما اندلعت حرب على جبهة الشمال واستغرقت أسابيع عدة فسوف يضطر أكثر من مليون من الإسرائيليين الذين يحملون جنسيات أخرى إلى الفرار «ويعرض مثالاً على سقوط فرنسا في حزيران عام 1940 بأيدي ألمانيا وانتهاء استقلالها بسيطرة الجيش الألماني عليها، ويرى السيناريو أن مليونين من الإسرائيليين قد يتحولون إلى لاجئين يتم نقلهم إلى أوروبا وكندا وأميركا ولا يبقى في إسرائيل، سوى جاليات من أصول شرقية»، وفي دراسة أخرى عرضها البروفيسور الإسرائيلي ناتان زاكس في معهد بروكينغز الأميركي للدراسات الإستراتيجية، مستندا إلى كتاب نشره عام 2021 بعنوان: «نهاية اللعبة: هل لدى إسرائيل خطة تضمن بقاءها حتى 28 كانون ثاني 2025» يرى فيه بموجب حديثه عن كتابه أنه «يحاول حل اللغز الذي يجعل الرؤية الإستراتيجية لإسرائيل مجرد وهم بنظر الكثيرين من الأجانب والإسرائيليين» ويحدد في هذا الكتاب ثلاثة احتمالات ستواجهها إسرائيل إن لم تقع حرب أخرى بينها وبين العرب، الأول: أن تستمر في تمسكها بالأراضي المحتلة والاستيطان فيها ويبقى هذا كفرض للأمر الواقع، والثاني أن تنجح في تحقيق أغلبية يهودية تزيد على عدد الفلسطينيين بوساطة أي حل مناسب، والثالث أن تصبح دولة واحدة بجميع من يقيم فيها ويتحول الفلسطينيون إلى أغلبية، وتخسر إسرائيل الديمقراطية اليهودية، أي ديمقراطية اليهود وحدهم، ويرى أنها في كل هذه الخيارات «ستعيش وسط بحر من الذين يكرهونها ولا يقبلون باستمرار بقائها ولن يكون أمامها سوى خيار من بين خيارين فقط للمحافظة على بقائها»، وبموجب هذا التصور لا وجود لدولة فلسطينية ولحل الدولتين ولا رغبة بالانسحاب ولا قبول بدولة واحدة، وفي النهاية يبدو أن ما يقصده ناتان زاكس من عبارة «نهاية اللعبة» هو أن «مصير إسرائيل سينتهي بمجرد قيام حرب بينها وبين جبهة الشمال طالما أن هذه الجبهة ما تزال تحشد كل ما يمكن من قدراتها».
وقد يلاحظ الجميع أن العالم الآن أصبح فيه أي يهودي لديه بوابات مفتوحة على أوطان كثيرة سواء أوطانه التي جيء به منها أم غيرها فهو مستوطن غاصب لأرض الآخرين في فلسطين وهو في الوقت نفسه مواطن أوروبي أو أميركي كامل المواطنة ينتقل إلى أي دولة كمواطن من الدرجة الأولى، وهذا ما يجعل أي مقاومة ضد إسرائيل تعرض أمنه للخطر والتهديد تفرض عليه مغادرتها بسهولة، لأنه يعرف أن كيانه كان مجرد مصلحة له وللدول الاستعمارية، وهو ليس مستعدا لتعريض نفسه لخطر الموت على أيدي أصحاب الأرض في سبيل بقائه طالما أنه يحمل صفة المواطن الأوروبي أو الأميركي، وطالما يجد أن اليهودي الآمن هو اليهودي الذي يقيم خارج إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن