اقتصاد

«البيروقراطية».. ذلك المصطلح سيئ السمعـة!

| د. سعـد بساطة

تمر مؤسساتنا بمنعـطف مهم؛ فلا سبيل لها للخروج من أزماتها؛ إلا بتطوير الإدارة! وياللهول.. ما إن تذكر كلمة إدارة؛ إلا وتقفز معـها الكلمة سلبية الصيت: البيروقراطية! (وهي بالتعـريف حكم المكاتب واللوائح والقواعـد والقوانين).
قال فيما مضى د. غـسان طيارة ؛ «إذا عـرض موضوع شائك عـلى وزير ما؛ وذيـّله قبل توقيعه بجملة «موافق حسب الأصول»؛ فهو إداري فاشل؛ لكون الوزير عليه أن يتجاوز المعوقات والروتين بصلاحياته لحل المشكلة.
تحضرني هذه الحادثة: قبل سنوات جرى تأسيس موقع إلكتروني لتطوير موضوع ما.. في طوكيو، ورغم بساطة الموارد المالية المتوافرة فقد نجح الموقع وتم اختياره كواحد من أفضل خمسة مواقع على مستوى اليابان، طلب بعدها الدعم بتخصيص ميزانية لتحديث المحتوى بما يقارب تسعـة آلاف دولار، ورغم الحماس للفكرة إلا أن المقترح اصطدم بمحاسب بيروقراطي رأى أن الميزانية فيها هدر كبير، واقترح وضع إعلانات وروابط ترويجية لتمويل نفسه بنفسه، بطبيعة الحال تم رفض هذه الفكرة، وبعد شهرين ومع نهاية السنة اكتشف المحاسب وجود وفر في أحد البنود، وكيلا يضطر لإعادة المبلغ رفع اقتراحاً بشراء طاولة للبلياردو بنحو أحد عشر ألف دولار وتمت الموافقة وشراؤها حالاً من دون أي معوقات.
هذه القصة ليست استثناء وتتكرر كثيراً بقطاعات مختلفة حين تواجه الأفكار الإبداعية بالرفض من مديرين بيروقراطيين، ويتم التقتير على ميزانيات البحث والتطوير لعدم وجود مخصصات لتمويلها على حين يتم إنفاق أضعاف تلك المبالغ على حفلات فاخرة.
ختاماً، ولأكون منصفاً فلعله ينبغي عـدم انتقاد قرار المدير المالي، فجميع تلك الصفحات التعليمية والثقافية التي أشرف عليها ذلك الموقع قد زالت من الوجود، وما زالت طاولة البلياردو موجودة ليومنا هذا!
من مساوئ البيروقراطية أنها تتسبب ببطء الإجراءات؛ وهي في حالة تزايد لا العكس؛ وتتسم بضيق أفق تفكير صناع القرار للتهديدات والفرص؛ وحيث إن المؤسسات دمها الأفكار الجديدة والمقترحات الحديثة يكون أهم مناوئ لها:البيروقراطية!
وهي أخيراً هدر للوقت؛ فالمديرون يقضون 64 بالمئة من وقتهم في مهام بيروقراطية تقليدية (اجتماعات؛ ملفات، تقارير؛ ملء استمارات)!
هل كان الألماني «ماكس فيبر» (1864-1920) والمعـروف بلقب [أبو نظرية الإدارة البيروقراطية] يدرك أنه بعـد وفاته بقرن سنناقش أهم مبتكراته للإدارة بهذا الشكل؟
شهدت أربعينيات القرن العشرين ظهور تيار يُبرز مواطن الخلل في البنية البيروقراطية واتساع الهوة بينها وبين المواطن البسيط، الذي يفترض أنه هدف البيروقراطية الأول بحكم الخدمات التي يفترض أن تقدمها له. أما في ستينيات القرن المنصرم، فقد برز تيار تناول بالنقد الحاد الفوارق الكبيرة بين النظرية والتطبيق، مُبرزاً أوجه القصور بينهما.
بعـدها وبالتحولات الهائلة بالصناعة والتجارة والبحث العلمي، بدت أساليب تنظيم العمل الخاصة تتجاوز لمصلحة أنماط جديدة، تُشجع المبادرة وتستند إلى الفعالية في الإنجاز وتوزيع الصلاحيات بشكل بعيد عن المركزية.
موطن الضعف البارز في النموذج البيروقراطي، أنه قائم على التدبير العقلاني للموارد بعيداً عن المخاطرة، وهذا ما لا يتفقُ إطلاقاً مع قواعد المنافسة في السباق العالمي الجديد الموسوم بتسارع النمو الاقتصادي والطفرات التكنولوجية المتتالية. ومن هنا برز البعد السلبي المرتبط بمفهوم البيروقراطية، إذ صارت رديفاً لبطء الإدارة وعسر الحصول على الخدمات ؛ والغريب أن هذا الرافد السلبي الطارئ تغلب على كل ما سبقه وبقي راسخاً في الأذهان.
إنّ ما يميـّز الأنشطة الاقتصادية الصغـيرة والمتوسطة (المعـرفة اختصاراً SMEs) هي مرونتها؛ عكس مثيلاتها ذوات الحجم الأكبر؛ والتي تجد صعـوبة باتخاذ قراراتها مروراً بمجالس إدارة ولجان لا حصر لها!
لماذا عـمـّر الأرنب؛ وانقرضت الديناصورات؟ الجواب سهل؛ لمرونة الأول وتأقلمه مع متغـيـّرات البيئة؛ أما الثاني، فقد أودت به بيروقراطيته!
استشاري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن